بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 21 أبريل 2011

حكومة الدكتور شرف والمراجعة المتواضعة لأسعار الغاز

أعلن المستشار الإعلامي للدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة تراجع حاليا عقود تصدير الغاز سعيا لتدبير مبلغ 3 أو 4 مليار جنية مصري من فروق الأسعار بعد عملية المراجعة (وفي المصادر الأجنبية للأخبار ذكرت نفس المبالغ بالدولار). الملفت للنظر أن أهداف الحكومة من هذه المراجعة بالغة التواضع بالمقارنة بتقديرات خبراء الطاقة للخسائر المالية التي تتكبدها مصر سنويا جراء بيع الغاز لإسرائيل بأسعار منخفضة جدا عن مستوى الأسعار العالمية فضلا عما يستقطع من العوائد المتواضعة المتبقية من عمولات للشركة الوسيطة الي تقوم بعملية تصدير الغاز.
وجود وسيط للتصدير بين الحكومة المصرية وبين مستوردي الغاز المصري لا يتعلق بالتصدير لإسرائيل وحدها ولكنه أسلوبا متبعا للعديد من البلدان منها إسبانيا على سبيل المثال والتي تحصل على أسعار لا تزيد إلا قليلا عن الأسعار التي تستورد بها إسرائيل الغاز.
إن الأسعار التي تبيع بها الحكومة للشركة الوسيطة تقل عن 2 دولار للمليون وحدة حرارية في حين أن المتوسط العالمي يتراوح ما بين 4.2، 4.3 دولار للمليون وحدة حرارية خلال هذا العام تقريبا. أي أن الحكومة تحصل على أقل من نصف العوائد المتوقعة من تصدير الغاز بهذه الطريقة، فضلا عن خصم عمولات الوسطاء.
إن مبدأ التعامل مع الوسطاء في تصدير الثروات الوطنية يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تنص على أن الثروة الوطنية ملك للشعب، والشعب لا يمثل إلا في حكومته. أما أن تتنازل الحكومة عن هذا التمثيل لصالح شركة أو شركات وسيطة، فهذا يعد تفريط واضح في أحد المبادئ الدستورية الهامة، فضلا عن التنازل الاختياري عن جزء من عوائد تصدير الثروة الطبيعية لطرف آخر بلا مبرر حقيقي.
إن سلع مثل الغاز الطبيعي والنفط ليست من السلع البائرة في السوق العالمي والتي يقتضي تسويقها البحث عن وسيط متخصص لترويج السلعة. إننا بصدد سلعة استراتيجية يسعى المستهلكون لها لتكوين مخزون منها وليس مجرد الشراء لمواجهة الاحتياجات اليومية. ومهما زاد المعروض منها في السوق لا يصيب سلعتي الغاز أو النفط بالبوار. إن العرض الفائض لا يؤدي إلا إلي تخفيضات في السعر في أفضل الأحوال، وهو أثر عام ينعكس على السوق العالمي للسلعة ولا يتعلق بصادرات دولة دون أخرى.
الغريب في الأمر أن تبيع مصر منتجها من الغاز بأسعار ثابتة تقل عن نصف مستوى الأسعار العالمية بل وتدفع عمولات تسويق لهذه الأسعار المتدنية. بل والأغرب منه أن تستهدف حكومة، من المفترض أنها حكومة وليدة ثورة على أوضاع فاسدة ومخربة، بتحريك الأسعار في حدود بالغة التواضع لجمع ثلاثة أو أربعة مليار جنية فقط أي 714 مليون دولار في أفضل الأحوال في حين أن خسائر مصر من مستورد واحد تتعدى 10 مليار دولار سنويا.
نفس هذا المنطق الذي يقف خلف قصور النظر الشديد لحكومة الدكتور شرف، وترجيح الاختيارات المتواضعة الأثر، والمنكمشة في ثوب المفاهيم السابقة لإدارة الاقتصاد، هي نفسها التي تدفع وزير المالية للإعلان عن خطته لطلب 10 مليار دولا في صورة قروض من مجموعة الدول السبع. في الوقت الذي يمكنه توفير ضعف هذا المبلغ على أقل تقدير من خلال إجراءات لإيقاف استنزاف الثروات الوطنية ، دون الحاجة للمزيد من أعباء الاقتراض.
إن المرء لا ينبغي عليه أن يصاب بالدهشة من مثل هذه الاختيارات المتواضعة والمتعارضة مع روح ثورة 25 يناير عندما يكون وزير مالية هذه الحكومة من أعضاء أمانة السياسات للحزب الوطني البائد. كما يشعر المرء بالحيرة أمام صمت واحد من أفضل الاقتصاديين المصريين وهو أستاذنا الدكتور جودة عبد الخالق، وهو يتصرف كأسير داخل الحكومة لا يتحرك خارج قضبان وزارة التضامن الاجتماعي، في الوقت الذي كنا نتوقع منه موقفا أكثر قوة ووضوحا في مثل هذه الأمور ولا يترك تقرير مسارات الحياة الاقتصادية لوزير المالية الهمام عضو أمانة السياسات.
فإذا كانت حكومة الدكتور شرف تسعى لتدبير موارد حقيقية للخزانة العامة فإن الرأي الصائب أن تلغي الحكومة نهائيا مبدأ الوساطة في تصدير الغاز أو أي سلعة أخرى وتلجأ للعقود المباشرة بين الحكومة والطرف الأجنبي المستورد للغاز المصري، وأن تعقد هذه الاتفاقات حسب مستويات الأسعار العالمية. مع ضرورة احترام حكم المحكمة بإلغاء اتفاق تصدير الغاز إلى إسرائيل. وذلك، حتى تحقق الحكومة موارد حقيقية وعادلة من عوائد بيع الغاز المصري وتوقف عمليات الاستنزاف المستمر للثروة الوطنية.


أرسل هذا المقال إلى جريدتي المصري اليوم والشروق. لكن هذا النوع من الصحافة غير المسئولة لم ينشر المقال لأنه ليس من أحد الأصدقاء.

ملاحظات حول المحاور المعلنة لبرنامج المجلس الوطني

قرأت بالأمس الخطوط العريضة لبرنامج المجلس الوطني الذي يسعى د. ممدوح حمزة لتأسيسه. وقد ذكر بوضوح أن مهمة المجلس هو مساعدة المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية (هذا ما فهمته من عبارة أن يقف مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال المرحلة الانتقالية)
معني لك أن مهام هذا المجلس سوف تتناسب مع المهام الانتقالية للمجلس العسكري، ولا ينبغي لها أن تتجاوز المهام الانتقالية المحدودة للمجلس العسكري. إن توسيع مهام هذا المجلس الوطني قد تؤدي إلى أثرين، إما توسيع مهام المجلس العسكري في الحياة السياسية المصرية بالتبعية بصفته الأداة التنفيذية لتحقيق المهام التي اناطها المجلس الوطني بنفسه، أو أن يطرح المجلس الوطني مبادئ وأفكار خلال المرحلة الانتقالية غير قابلة للتنفيذ مما يسلب المجلس الوطني مصداقيته أمام الناس.
أكتب هذا الكلام بعد أن لفت نظري أن المحور الأول لمهام المؤتمر سوف يدور حول الرؤية الاقتصادية الاجتماعية، بشقيها التنموي ومتطلبات العدل الاجتماعي. ومحور كهذا يصلح لأن يكون في مؤتمر لحزب سياسي، والمفهوم أن هذا المجلس الوطني ليس حزبا ولن يتحول إلى حزب بحكم تكوينه وإن كان من المحتمل أن ينتج عنه حزب أو أكثر.
مهمة عريضة كهذه ليست مهمة انتقالية، ولكنها مهمة مؤسسية تنطوي على توجه إيديولوجي، فضلا عن أنها غير قابلة للتحقق خلال الفترة الانتقالية كما لا يرغب أحد (على الأقل من الذين هتفوا من أجل الدولة المدنية) في أن يتحمل المجلس العسكري مسئولية بناء وصيانة أطر مؤسسية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
أما المحور الثاني والخاص بوضع المبادئ العامة للدستور القادم، بشمولها وعموميتها في مجال الحريات العامة وهوية المجتمع ومضمون وشكل الدولة، وطبيعة النظام السياسي الجديد. ففي ظني أنه نوع من المصادرة على حق المجلس المنتخب في وضع الدستور. وهو تصرف غير ديمقراطي، فضلا عن أن المجلس الوطني لا يملك أي وسيلة لفرض الأفكار التي يتوصل إليها على الجمعية التأسيسية المنتخبة. وقد ينظر لذلك على أنه عملية التفاف على مواد الإعلان الدستوري الحالي، والمواد التي جرى الاستفتاء عليها (رغم أني لا أوافق عليها) لكن هذا النوع من الممارسة السياسية  يخلق الأزمات، ويستنزف القوى، ولا يثمر نتائج. إن البديل عن ذلك الدخول من مدخل مباشر لتعديل الإعلان الدستوري بما يضمن حماية عملية إعداد الدستور من أي نتائج مخيبة للانتخابات البرلمانية. أو تكوين رأي عام واسع حول المبادئ الدستورية الأساسية التي يجمع عليها أعضاء المجلس الوطني، حتى يمثل هذا الإجماع وسيلة ضغط وأداة تصحيح للرؤى على معدي الدستور.
لذلك حرصت في مقترح البرنامج الذي أرسلته على أن يواجه المهام الانتقالية وحدها، ولا يتطرق لأي مهام على مدى أطول حتى المدى القصير جدا.

مقترحات لجدولي أعمال سياسي واقتصادي للمجلس لوطني المؤقت

هذه المقترحات تهدف لإنجاز العاجل والضروري من الإجراءات لحماية الثورة من عمليات الالتفاف عليها، ولم تتطرق لأي تغيرات سياسية أو اقتصادية عميقة تعكس توجه سياسي أو فكري على اعتبار أن مثل هذه التبنيات من مسئولية الأحزاب، وسوف يتقرر مدى انحياز الناس إلى أفكار دون أخرى من خلال الاقتراع العام.
أولا، جدول الأعمال السياسي:
·        وضع آلية لتنظيم العلاقة بين المجلس الوطني، والمجلس العسكري، ومجلس الوزراء.
·        الإفراج الفوري عن كافة المساجين السياسيين، وليس المساجين ذوي التوجهات الإسلامية فقط.
·        وضع تصور لمحاسبة ضباط مباحث أمن الدولة، وإلزام المجلس العسكري بالبحث عن المختفين والمخطفين.
·        مراجعة القوانين الصادرة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووضع التعديلات التي تعكس الاعتراضات المثارة عليها. خاصة قانون الأحزاب وقانون تجريم التجمهر والتظاهر.
·        وضع مقترحات لتعديل وإثراء بعض مواد الإعلان الدستوري.
·        ترشيح مجلس رئاسي.
·        وضع مشروع قانون لحل المجالس المحلية وتشكيل لجان شعبية بديلة ومؤقتة. وإعداد مشروع قرار بعزل المحافظين، ونقل صلاحياتهم إلى سكرتيري المحافظات وإخضاع تصرفاتهم للجان الشعبية المؤقتة.
·        وضع مشروع قانون لهيئة الأمن الوطني المشكلة بقرار وزاري من وزير الداخلية بديلا لمباحث أمن الدولة، وذلك لقطع الطريق على أي التفاف على الحريات العامة.
·        وضع مشروع قانون لانتخابات رئاسة الجمهورية ومجلسي الشعب والشورى.
·        إعداد بلاغ للنائب العام يتضمن قائمة تهم إفساد الحياة السياسية وأسماء المتهمين بهذه الجرائم، ومطالبة النائب العام بسرعة إجراء التحقيقات وضبط المتهمين.
·        وضع مشروع قانون لتعديل قانون النقابات العمالية للاعتراف بالنقابات المستقلة ومبدأ التعددية النقابية وإلغاء صلاحيات الوزير المختص في العمل النقابي.
·        دعوة نقابة الصحفيين لوضع تصور لحل مشكلة تعديل القيادات الصحفية للصحف القومية.
·        دعوة المعتصمين باتحاد الإذاعة والتلفزيون لوضع تصور للإعلام الرسمي وترشيح القيادات المناسبة.
ثانيا، جدول الأعمال الاقتصادي:
·       وضع مشروع الموازنة العامة لعام 2011/2012. بحيث يتوفر فيه ما يلي:
-      تعزيز موارد الميزانية العامة من موارد حقيقية، وذلك بضم موارد الصناديق الخاصة (المعروف منها حاليا 600 صندوق) فيما عدا الصناديق التأمينية، وإيرادات طوابع الخدمات واستمارات الخدمات مثل طابع الشرطة، وطابع الخدمات التعليمية، وطابع التأمين الصحي وغيرها من الطوابع والاستمارات التي لا تدخل إيراداتها ضمن الإيرادات العامة للدولة. مع بسط رقابة وزارة المالية على كافة المبالغ المحصلة من المواطنين وطرق صرفها وإخضاعها جميعا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
-      تعديل هيكل ضريبة الدخل بالرجوع إلى الضرائب التصاعدية ورفع الحد الأقصى للضريبة إلى 70% والتوسع في الإعفاءات الضريبية لشرائح الدخل الدنيا.
-      وضع ضوابط على المزايا النقدية المختلفة المنصرفة لأصحاب الوظائف الإشرافية والقيادية لتخفيض الفوارق في مستويات الأجور الحكومية.
-      ضبط مظاهر الإسراف في الميزانية العامة وإلغاء كافة المزايا العينية لكبار الموظفين والوزراء وقيادات الداخلية والقوات المسلحة.
-      تعديل هيكل الأجور في الميزانية الجديدة على ضوء الموارد الإضافية المتحققة، سعيا لتنفيذ الحد الأدنى للأجور (1200 جنية). مع حماية الأجور الجديدة بآلية ضريبية مرنة على أسعار المبيعات للجم التضخم من ناحية، وحماية مستويات المعيشة من ناحية أخرى.
-      إلغاء الضرائب غير المباشرة، وتخفيض رسوم الخدمات للحدود المناسبة.
-      دعم الأسمدة والمبيدات لمزارعي المحاصيل الإستراتيجية.
-      تحديد أولويات واضحة للإنفاق الحكومي على رأسها التعليم والصحة ورفع مستوى المعيشة.
·       مراجعة كافة عقود إنتاج النفط والغاز الطبيعي، إذ ليس من المقبول أن يحصل الشريك الأجنبي على 50% من إنتاج الغاز في العقود الحالية.
·       إلغاء دور الشركات الوسيطة في عمليات تصدير النفط والغاز والتصدير من خلال اتفاقيات مباشرة مع الحكومة المصرية لوقف نزيف الأسعار والعمولات، للمحافظة على عوائد الثروة المعدنية.
·       مراجعة وجرد كافة أنشطة إنتاج الثروات المعدنية والنفط والغاز للتأكد من عدم تسرب الإنتاج أو تهريبه لصالح شركات الفاسدين ناهبي مصر.
·       إيقاف تصدير الغاز إلى إسرائيل.
·       إلغاء وظائف المستشارين في الأجهزة الحكومية (يبلغ عددهم 62 ألف مستشار) وإلغاء تعيين المتقاعدين من الشرطة والقوات المسلحة في الوظيفة الحكومية التي يشغلونها، لإتاحة الفرصة لحل مشكلات تثبيت العمالة المؤقتة وتحسين أجور العاملين.
·       حماية الطرق وتأمين نقل السلع من مراكز الإنتاج والتخزين إلى الأسواق للضمان تخفيض الأسعار
·       دعم برنامج وزير الزراعة د. أيمن أبو حديد لتحقيق الاكتفاء الذاتي من دقيق الخبز خلال عامين، مع الاستفادة من الدراسات الخاصة بتنويع مكونات رغيف الخبز.
·       وضع مشروع قانون يتضمن عقوبات صارمة على إخفاء السلع والتلاعب في الأسعار والغش التجاري، والرجوع إلى نظم التسعير الجبري لبعض السلع الإستراتيجية، مع وضع ضوابط لحماية السوق من أنشطة السوق السوداء.
·       وضع قائمة بالدول التي تم تهريب أموال الفاسدين إليها، ووضع تصورات للتعامل الدبلوماسي والسياسي معها في حالة عدم الاستجابة لرد الأموال للشعب المصري خاصة دول الخليج.

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

النوايا تتكشف

النوايا تتكشف
أشاعت الطريقة التي تعامل بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع مطالب الثورة وإدارة شئون البلاد حالة من الشكوك والريب. ولسنا في عارض سرد ما قام به المجلس من تصرفات فهي معروفة للكافة وإن كنا نريد التأكيد على أمرين، وهما قانون تجريم التجمهر والتظاهر، وتعديل قانون الأحزاب. لن نتعرض لأساليب فض التظاهرات، التي انطوت على جرائم أقلها جريمة اقتحام الحرم الجامعي في حالة كلية الإعلام. ومن الملفت للنظر ما قام به اللواء ممدوح شاهين بالدفاع عن الثورة المضادة وتبرئتها من حادث مباراة الزمالك والأفريقي التونسي رغم إقراره بعدم البدء في التحقيقات. هذه أمور تعتبر من لزوم الشيء.
كان لصدور قانون تجريم التظاهر أثر الصاعقة على الجميع حتى مؤيدي المجلس العسكري الذين وجدوا فيه تجاوزا خطيرا على الحقوق الأساسية للإنسان، كما وصف بعض الكتاب صدور هذا القانون بسابقة لم يجرؤ نظام مبارك على الإتيان بمثلها، وتعجب من أن تحدث من حكومة ثورة (هذا إذا كانت حكومة ثورة!!) لكن القدر المتيقن أن صدور هذا القانون يتسق تماما مع عمليات التعذيب في مسلخة المتحف المصري، وتقديم المتظاهرين للمحاكم العسكرية، واقتحام كلية الإعلام والتعامل بمنتهى القسوة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. إنه الوجه القمعي الذي يقصد المجلس العسكري أن يحمي به ما قام به من تهاون وإتاحة الفرصة لتدمير الأدلة والوثائق وتهريب الأموال. لقد فاحت الرائحة وخرجت إلى صفحات الصحف. وبعض ممن أثنوا على المجلس العسكري وامتدحوا دوره شعروا بالخديعة فعبروا عن ذلك بوضوح. لذلك يسلح المجلس العسكري نفسه بمثل هذا القانون لمواجهة عملية الانكشاف. غير أن صدور قانون تجريم التجمهر والتظاهر جزء من سياق أوسع من ذلك.
في هذا السياق الأوسع يصدر تعديل قانون الأحزاب الذي يشدد من شروط تأسيس الحزب ففي حين كان القانون القديم يضع شرطا لعدد المؤسسين يبلغ 1000 عضو مؤسس، قام المجلس العسكري برفع الشرط إلى 5000 عضو. في نفس الوقت حافظ المجلس العسكري على العبارات المطاطة التي تؤدي مخالفتها إلى فقدان الحزب لشرعية التأسيس. إنها عبارات مثل مخالفة الحزب لمقتضيات حماية الأمن القومي، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. مثل هذه العبارات كانت محل نقد في القانون القديم لأنها عبارات غير معرفة وتحتمل أكثر من معني في التعامل واستمرت مع القانون الجديد.
عمليا حتى يمكن تأسيس حزب فلابد من القيام بدعاية مرهقة لتجميع 5000 عضو من 15 محافظة وبحد أدني 300 عضو من كل محافظة. في حين أن الحزب الجديد يعتبر فكرة وبرنامج وعليه من خلال الممارسة الحزبية أن يحشد الأنصار. أي أن توسيع قاعدة العضوية مرتبطة بالنشاط الحزبي نفسه. الصعوبة الكامنة في تعبئة 5000 عضو من 15 محافظة سوف يدفع مؤسسي الحزب إلى التحرك بين المحافظات لحشد الأنصار قبل أن يقوموا بتأسيس الحزب مما قد يوقع بعضهم تحت طائلة قانون تجريم التجمهر والتظاهر، أو القيام بنشاط حزبي بدون ترخيص.
يضاف إلى كل ذلك أنه لكي يتأسس حزب ينبغي توثيق التوكيلات البالغة 5000 توكيل على الأقل وهذه تكلفتها سوف تبلغ 200 ألف جنية على الأقل، يضاف إلى ذلك النشر في صحيفتين يوميتين، أي الحاجة للإعلان على صفحتين في جريدة يومية بقيمة مليون جنية للصفحة الواحدة. أي أن مؤسسي الحزب عليهم دفع مبلغ 4 مليون و200 ألف جنية قبل التقدم بالأوراق إلى لجنة الأحزاب.
بعيدا عن المناقشة القانونية عما إذا كان هذا القانون يعني تأسيس الأحزاب بالإخطار من عدمه. إلا أن هذا القانون لا يتيح حرية واسعة في تشكيل الأحزاب وإنما يشدد من قيود التأسيس، ويضيف المزيد من الأعباء المالية التي تقيد مقدرة القوى السياسة الشابة والحديثة على الانطلاق في تأسيس أحزابها.
نضع هذين القانونين في سياق واحد وهو محاولة فرملة حالة الاندفاع الثوري التي يعيشها المجتمع وترجيح كفة القوى اليمينية والمحافظة خاصة الحركات الإسلامية. لأنها التي تملك الحشود الكبيرة منذ سنوات طويلة حتى في ظل حكم مبارك فلم يكن تقييد حركتها بنفس القوة التي كانت عليها القوى اليسارية والعلمانية.
يضاف إلى كل هذا محاولة إغراق حركة الثورة بمد الحركات الدينية السياسية ممثلة في حركة الأخوان المسلمين والحركات السلفية والجهادية. لقد اتخذ المجلس العسكري عددا من المبادرات الخطرة في هذا الصدد، تمثلت في الإفراج عن بعض القيادات الإخوانية المؤثرة من السجون، والإفراج عن عبود وطارق الزمر وعدد من قيادات الحركة السلفية. في واقع الحال ليس لدينا اعتراض مبدئي على تحرير أي مسجون سياسي من أسره، لأن الإفراج عن المساجين السياسيين أحد المطالب الهامة للثورة. إنما أن يعالج الأمر بصورة أحادية ومنحازة، فيتوقف الإفراج على الأخوان والجهاديين والسلف ويظل الشباب المعتقل أثناء أحداث الثورة في السجون، ومعارضي النظام من غير الإسلاميين في السجون بل ويضاف إليهم المتظاهرين الذين يقضون الآن عقوبات صادره بحقهم من المحاكم العسكرية.
يضاف إلى جهود إغراق الثورة بالإسلاميين قرار المجلس العسكري برفع أسماء أعضاء التنظيمات الجهادية من قوائم ترقب الوصول، وبينهم أشخاص محكومون بالسجن والإعدام. يستفيد من هذا القرار 3000 من قيادات الحركة الجهادية.
الصورة إذن محملة بنذر الخطر. المجلس العسكري يغير بإصرار من تركيبة القوى المعارضة، ويستعين في ذلك بجحافل الحركات الإسلامية بل وبأكثرهم تطرفا. وفي نفس الوقت يقيد بإصرار على القوى الحقيقية للثورة التي رفعت الشعارات الديمقراطية والداعية للحكم المدني والوحدة الوطنية.
على صعيد موازي، يتلكأ المجلس العسكري في تغيير القيادات الفاسدة في أجهزة الإعلام (الصحف القومية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون). تحت الضغوط الشديدة والاعتصامات يقرر أخير إجراء التعديلات، بعد استبعاد أي وسائل ديمقراطية في عملية التغيير. لقد استبعد تماما نقابة الصحفيين والعاملين في الصحف، كما استبعد المعتصمين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون وقام بتعديلات منفردة. جاءت هذه التعديلات كي تقدم مجموعة أخرى من المسئولين الذين لا يختلفون كثيرا عمن سبقوهم. إنهم نفس العينة من المسئولين الذين يأتمرون بأوامر الأجهزة ولهم تجربة كبيرة في ذلك. ما هو حجم التغيير عندما يستبعد رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون لصالح نائبه. وما هو حجم التغيير عندما يتغير رئيس تحرير لصالح أحد نواب رئيس التحرير.
الإجابة على التساؤل المنطقي الذي يفرض نفسه في هذه الحالة عن مبرر قيام المجلس العسكري بهذه الخطوات الدءوبة، تكمن في ترشيح الفريق مجدي حتاتة لنفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية. والفريق مجدي حتاتة هو رئيس الأركان السابق للقوات المسلحة المصرية، وأحد خلصاء الرئيس المخلوع فقد سبق تولية منصب رئيس الأركان، تولي منصب رئيس الحرس الجمهوري ....
يفهم من ذلك أن المجلس العسكري يهدف من كل هذه الأفاعيل إلى القيام بدورة كاملة حول الثورة وإعادة الأمور إلى نقطة الارتكاز الأولى. أي استعادة النظام لكامل أدواته وأهمها أن يظل شاغل منصب رئيس الجمهورية رجل عسكري. وليس أي رجل عسكري ولكنه أحد خلصاء الرئيس المخلوع.
لذلك يحتاج المجلس العسكري لعدد من الأدوات والتحالفات للحفاظ على رئيس جمهورية عسكري:
·        التحالف مع الحركات الإسلامية، بوضعها في مقدمة المشهد السياسي فتكون مدينة للمجلس العسكري بهذه المأثرة فتدعم المرشح العسكري، وتتعاون على إيقاف مد الحركة الثورية، حتى وإن أدى الأمر إلى انقسام مجتمعي بفضل الطروحات والممارسات المتعسفة لكل من الحركات السلفية والجهادية. يضاف إلى ذلك خطورة إرث النشاط المسلح للحركات الجهادية. ولو كان المجلس العسكري أن يعتبر لاعتبر من تجربة السادات التي انتهت على سور المنصة.
·        إضعاف المبادرات الثورية بتقييد تكوين الأحزاب وإبقاء نشطاء الثورة في حالة من التشرذم بعيدا عن التشكيلات الحزبية الموضوعية. والحفاظ على حالة التصحر السياسي (التعبير لعمنا صلاح عيسى) الذي يعيشه المجتمع المصري منذ 60 عاما، وبالتالي توفير ضمانات حد أدني لشكل مجلس الشعب القادم الذي عليه وضع الدستور الجديد وتحديد شكل نظام الحكم – رئاسي أو برلماني. ومجلس محكوم سلفا بالقوي الدينية وبقايا الحزب الوطني مع تواجد ممزق وهامشي للقوى الثورية سوف يكون أقرب للنظام الرئاسي وهو بغية المجلس العسكري.
·        الإبقاء على قيادات الإعلام التي اعتادت على العمل وفق تعليمات قيادة النظام سواء في الصحافة أو التلفزيون والإذاعة حتى تلعب الدور المنشود في عملية غسيل المخ المطلوبة لتوجيه البسطاء نحو انتخاب الفريق مجدي حتاتة والذي بدأت الدعاية له فعليا بصفته أحد أبطال حرب أكتوبر!!
·        الإبقاء على جهاز الحكم المحلي من محافظين وأعضاء المجالس المنتخبين بالتزوير من أعضاء الحزب الوطني، وهؤلاء سوف يلعبون أدوارا هامة في دعم مرشحي الحزب الوطني لانتخابات مجلس الشعب من ناحية وفي الحشد لانتخاب الفريق مجدي حتاتة من ناحية أخرى.
أعتقد أن هذا التفسير قد يزيل الغموض عن ممارسات المجلس العسكري الذي يسعى للمحافظة على استمرار النظام رغم خلع رئيسه. لكن هذه الممارسات غير المسئولة قد تعرض البلاد لمخاطر أكبر إذا ما تفجرت المواجهة مع المجلس العسكري، وقد بدأت نذرها بالفعل في جمعة المحاكمة والتطهير يوم 8 أبريل. وسبق ذلك قيام المتظاهرين بتطهير مقار جهاز مباحث أمن الدولة على الرغم من تقاعس المجلس العسكري. نجح المتظاهرون في إسقاط مباحث أمن الدولة، ولكن الآلاف من الوثائق فقدت ودمرت. أسفرت الضغوط والتهديد بالمواجهة عن حبس واستدعاء رؤوس النظام من أمثال زكريا عزمي وصفوت الشريف ود. فتحي سرور وجمال مبارك، لكن هذا يتم بعد التخلص من الثروات وتبديد أي أثر للأموال المهربة. فزكريا عزمي يحاسب على عدد من الشقق والفيلات فقط، أما ثروته الطائلة فقد ركبت سيقان الريح.
المواجهة مع المجلس العسكري، تعد أحد الخطوط الحمراء التي لا ينبغي عبورها لأنها مواجهة قد تهدد استقرار الدولة المصرية كلها إذا حدثت أي أخطاء في إدارة هذه المواجهة. أما إذا دفعت تصرفات المجلس العسكري الأمور نحو المواجهة حفاظا على الثورة ومستقبل هذا المجتمع، فإن المسئولية كاملة سوف تقع على المجلس العسكري الذي تعامل مع الثورة بروح غير مسئولة وغير مدركة لطبيعة المتغيرات التي حدثت على أرض مصر.