بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

النوايا تتكشف

النوايا تتكشف
أشاعت الطريقة التي تعامل بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع مطالب الثورة وإدارة شئون البلاد حالة من الشكوك والريب. ولسنا في عارض سرد ما قام به المجلس من تصرفات فهي معروفة للكافة وإن كنا نريد التأكيد على أمرين، وهما قانون تجريم التجمهر والتظاهر، وتعديل قانون الأحزاب. لن نتعرض لأساليب فض التظاهرات، التي انطوت على جرائم أقلها جريمة اقتحام الحرم الجامعي في حالة كلية الإعلام. ومن الملفت للنظر ما قام به اللواء ممدوح شاهين بالدفاع عن الثورة المضادة وتبرئتها من حادث مباراة الزمالك والأفريقي التونسي رغم إقراره بعدم البدء في التحقيقات. هذه أمور تعتبر من لزوم الشيء.
كان لصدور قانون تجريم التظاهر أثر الصاعقة على الجميع حتى مؤيدي المجلس العسكري الذين وجدوا فيه تجاوزا خطيرا على الحقوق الأساسية للإنسان، كما وصف بعض الكتاب صدور هذا القانون بسابقة لم يجرؤ نظام مبارك على الإتيان بمثلها، وتعجب من أن تحدث من حكومة ثورة (هذا إذا كانت حكومة ثورة!!) لكن القدر المتيقن أن صدور هذا القانون يتسق تماما مع عمليات التعذيب في مسلخة المتحف المصري، وتقديم المتظاهرين للمحاكم العسكرية، واقتحام كلية الإعلام والتعامل بمنتهى القسوة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. إنه الوجه القمعي الذي يقصد المجلس العسكري أن يحمي به ما قام به من تهاون وإتاحة الفرصة لتدمير الأدلة والوثائق وتهريب الأموال. لقد فاحت الرائحة وخرجت إلى صفحات الصحف. وبعض ممن أثنوا على المجلس العسكري وامتدحوا دوره شعروا بالخديعة فعبروا عن ذلك بوضوح. لذلك يسلح المجلس العسكري نفسه بمثل هذا القانون لمواجهة عملية الانكشاف. غير أن صدور قانون تجريم التجمهر والتظاهر جزء من سياق أوسع من ذلك.
في هذا السياق الأوسع يصدر تعديل قانون الأحزاب الذي يشدد من شروط تأسيس الحزب ففي حين كان القانون القديم يضع شرطا لعدد المؤسسين يبلغ 1000 عضو مؤسس، قام المجلس العسكري برفع الشرط إلى 5000 عضو. في نفس الوقت حافظ المجلس العسكري على العبارات المطاطة التي تؤدي مخالفتها إلى فقدان الحزب لشرعية التأسيس. إنها عبارات مثل مخالفة الحزب لمقتضيات حماية الأمن القومي، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. مثل هذه العبارات كانت محل نقد في القانون القديم لأنها عبارات غير معرفة وتحتمل أكثر من معني في التعامل واستمرت مع القانون الجديد.
عمليا حتى يمكن تأسيس حزب فلابد من القيام بدعاية مرهقة لتجميع 5000 عضو من 15 محافظة وبحد أدني 300 عضو من كل محافظة. في حين أن الحزب الجديد يعتبر فكرة وبرنامج وعليه من خلال الممارسة الحزبية أن يحشد الأنصار. أي أن توسيع قاعدة العضوية مرتبطة بالنشاط الحزبي نفسه. الصعوبة الكامنة في تعبئة 5000 عضو من 15 محافظة سوف يدفع مؤسسي الحزب إلى التحرك بين المحافظات لحشد الأنصار قبل أن يقوموا بتأسيس الحزب مما قد يوقع بعضهم تحت طائلة قانون تجريم التجمهر والتظاهر، أو القيام بنشاط حزبي بدون ترخيص.
يضاف إلى كل ذلك أنه لكي يتأسس حزب ينبغي توثيق التوكيلات البالغة 5000 توكيل على الأقل وهذه تكلفتها سوف تبلغ 200 ألف جنية على الأقل، يضاف إلى ذلك النشر في صحيفتين يوميتين، أي الحاجة للإعلان على صفحتين في جريدة يومية بقيمة مليون جنية للصفحة الواحدة. أي أن مؤسسي الحزب عليهم دفع مبلغ 4 مليون و200 ألف جنية قبل التقدم بالأوراق إلى لجنة الأحزاب.
بعيدا عن المناقشة القانونية عما إذا كان هذا القانون يعني تأسيس الأحزاب بالإخطار من عدمه. إلا أن هذا القانون لا يتيح حرية واسعة في تشكيل الأحزاب وإنما يشدد من قيود التأسيس، ويضيف المزيد من الأعباء المالية التي تقيد مقدرة القوى السياسة الشابة والحديثة على الانطلاق في تأسيس أحزابها.
نضع هذين القانونين في سياق واحد وهو محاولة فرملة حالة الاندفاع الثوري التي يعيشها المجتمع وترجيح كفة القوى اليمينية والمحافظة خاصة الحركات الإسلامية. لأنها التي تملك الحشود الكبيرة منذ سنوات طويلة حتى في ظل حكم مبارك فلم يكن تقييد حركتها بنفس القوة التي كانت عليها القوى اليسارية والعلمانية.
يضاف إلى كل هذا محاولة إغراق حركة الثورة بمد الحركات الدينية السياسية ممثلة في حركة الأخوان المسلمين والحركات السلفية والجهادية. لقد اتخذ المجلس العسكري عددا من المبادرات الخطرة في هذا الصدد، تمثلت في الإفراج عن بعض القيادات الإخوانية المؤثرة من السجون، والإفراج عن عبود وطارق الزمر وعدد من قيادات الحركة السلفية. في واقع الحال ليس لدينا اعتراض مبدئي على تحرير أي مسجون سياسي من أسره، لأن الإفراج عن المساجين السياسيين أحد المطالب الهامة للثورة. إنما أن يعالج الأمر بصورة أحادية ومنحازة، فيتوقف الإفراج على الأخوان والجهاديين والسلف ويظل الشباب المعتقل أثناء أحداث الثورة في السجون، ومعارضي النظام من غير الإسلاميين في السجون بل ويضاف إليهم المتظاهرين الذين يقضون الآن عقوبات صادره بحقهم من المحاكم العسكرية.
يضاف إلى جهود إغراق الثورة بالإسلاميين قرار المجلس العسكري برفع أسماء أعضاء التنظيمات الجهادية من قوائم ترقب الوصول، وبينهم أشخاص محكومون بالسجن والإعدام. يستفيد من هذا القرار 3000 من قيادات الحركة الجهادية.
الصورة إذن محملة بنذر الخطر. المجلس العسكري يغير بإصرار من تركيبة القوى المعارضة، ويستعين في ذلك بجحافل الحركات الإسلامية بل وبأكثرهم تطرفا. وفي نفس الوقت يقيد بإصرار على القوى الحقيقية للثورة التي رفعت الشعارات الديمقراطية والداعية للحكم المدني والوحدة الوطنية.
على صعيد موازي، يتلكأ المجلس العسكري في تغيير القيادات الفاسدة في أجهزة الإعلام (الصحف القومية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون). تحت الضغوط الشديدة والاعتصامات يقرر أخير إجراء التعديلات، بعد استبعاد أي وسائل ديمقراطية في عملية التغيير. لقد استبعد تماما نقابة الصحفيين والعاملين في الصحف، كما استبعد المعتصمين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون وقام بتعديلات منفردة. جاءت هذه التعديلات كي تقدم مجموعة أخرى من المسئولين الذين لا يختلفون كثيرا عمن سبقوهم. إنهم نفس العينة من المسئولين الذين يأتمرون بأوامر الأجهزة ولهم تجربة كبيرة في ذلك. ما هو حجم التغيير عندما يستبعد رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون لصالح نائبه. وما هو حجم التغيير عندما يتغير رئيس تحرير لصالح أحد نواب رئيس التحرير.
الإجابة على التساؤل المنطقي الذي يفرض نفسه في هذه الحالة عن مبرر قيام المجلس العسكري بهذه الخطوات الدءوبة، تكمن في ترشيح الفريق مجدي حتاتة لنفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية. والفريق مجدي حتاتة هو رئيس الأركان السابق للقوات المسلحة المصرية، وأحد خلصاء الرئيس المخلوع فقد سبق تولية منصب رئيس الأركان، تولي منصب رئيس الحرس الجمهوري ....
يفهم من ذلك أن المجلس العسكري يهدف من كل هذه الأفاعيل إلى القيام بدورة كاملة حول الثورة وإعادة الأمور إلى نقطة الارتكاز الأولى. أي استعادة النظام لكامل أدواته وأهمها أن يظل شاغل منصب رئيس الجمهورية رجل عسكري. وليس أي رجل عسكري ولكنه أحد خلصاء الرئيس المخلوع.
لذلك يحتاج المجلس العسكري لعدد من الأدوات والتحالفات للحفاظ على رئيس جمهورية عسكري:
·        التحالف مع الحركات الإسلامية، بوضعها في مقدمة المشهد السياسي فتكون مدينة للمجلس العسكري بهذه المأثرة فتدعم المرشح العسكري، وتتعاون على إيقاف مد الحركة الثورية، حتى وإن أدى الأمر إلى انقسام مجتمعي بفضل الطروحات والممارسات المتعسفة لكل من الحركات السلفية والجهادية. يضاف إلى ذلك خطورة إرث النشاط المسلح للحركات الجهادية. ولو كان المجلس العسكري أن يعتبر لاعتبر من تجربة السادات التي انتهت على سور المنصة.
·        إضعاف المبادرات الثورية بتقييد تكوين الأحزاب وإبقاء نشطاء الثورة في حالة من التشرذم بعيدا عن التشكيلات الحزبية الموضوعية. والحفاظ على حالة التصحر السياسي (التعبير لعمنا صلاح عيسى) الذي يعيشه المجتمع المصري منذ 60 عاما، وبالتالي توفير ضمانات حد أدني لشكل مجلس الشعب القادم الذي عليه وضع الدستور الجديد وتحديد شكل نظام الحكم – رئاسي أو برلماني. ومجلس محكوم سلفا بالقوي الدينية وبقايا الحزب الوطني مع تواجد ممزق وهامشي للقوى الثورية سوف يكون أقرب للنظام الرئاسي وهو بغية المجلس العسكري.
·        الإبقاء على قيادات الإعلام التي اعتادت على العمل وفق تعليمات قيادة النظام سواء في الصحافة أو التلفزيون والإذاعة حتى تلعب الدور المنشود في عملية غسيل المخ المطلوبة لتوجيه البسطاء نحو انتخاب الفريق مجدي حتاتة والذي بدأت الدعاية له فعليا بصفته أحد أبطال حرب أكتوبر!!
·        الإبقاء على جهاز الحكم المحلي من محافظين وأعضاء المجالس المنتخبين بالتزوير من أعضاء الحزب الوطني، وهؤلاء سوف يلعبون أدوارا هامة في دعم مرشحي الحزب الوطني لانتخابات مجلس الشعب من ناحية وفي الحشد لانتخاب الفريق مجدي حتاتة من ناحية أخرى.
أعتقد أن هذا التفسير قد يزيل الغموض عن ممارسات المجلس العسكري الذي يسعى للمحافظة على استمرار النظام رغم خلع رئيسه. لكن هذه الممارسات غير المسئولة قد تعرض البلاد لمخاطر أكبر إذا ما تفجرت المواجهة مع المجلس العسكري، وقد بدأت نذرها بالفعل في جمعة المحاكمة والتطهير يوم 8 أبريل. وسبق ذلك قيام المتظاهرين بتطهير مقار جهاز مباحث أمن الدولة على الرغم من تقاعس المجلس العسكري. نجح المتظاهرون في إسقاط مباحث أمن الدولة، ولكن الآلاف من الوثائق فقدت ودمرت. أسفرت الضغوط والتهديد بالمواجهة عن حبس واستدعاء رؤوس النظام من أمثال زكريا عزمي وصفوت الشريف ود. فتحي سرور وجمال مبارك، لكن هذا يتم بعد التخلص من الثروات وتبديد أي أثر للأموال المهربة. فزكريا عزمي يحاسب على عدد من الشقق والفيلات فقط، أما ثروته الطائلة فقد ركبت سيقان الريح.
المواجهة مع المجلس العسكري، تعد أحد الخطوط الحمراء التي لا ينبغي عبورها لأنها مواجهة قد تهدد استقرار الدولة المصرية كلها إذا حدثت أي أخطاء في إدارة هذه المواجهة. أما إذا دفعت تصرفات المجلس العسكري الأمور نحو المواجهة حفاظا على الثورة ومستقبل هذا المجتمع، فإن المسئولية كاملة سوف تقع على المجلس العسكري الذي تعامل مع الثورة بروح غير مسئولة وغير مدركة لطبيعة المتغيرات التي حدثت على أرض مصر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق