بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 30 يوليو 2011

رسالة إلى فصائل اليسار والحركة الديمقراطية

لقد ابتذل الحوار الوطني في مرحلة الانتقال بفضل جماعة الإخوان المسلمين ومعها رهط الحركات الإسلامية والسلفية، وفي معيتهم المجلس العسكري. كما استساغ عدد من المثقفين الحديث في المجردات النظرية والسياسية وأغوتهم البنى الفوقية للسياسة فحلقوا بعيدا عن الواقع وعن الجماهير المصرية في آن واحد.
لقد استدرجنا بسبب جهل المحاورين في الطرف الآخر إلى مناقشات حول المبادئ الأولية المجردة للقانون الدستوري تارة، أطوار أخرى للدفاع عن العلمانية والدفاع الذاتي عن العقائد الدينية لفصائل اليسار والحركة الديمقراطية. والجديد اليوم، ما أبدعته قريحة جنرالات المجلس العسكري بالتخوين التدريجي للحركة الديمقراطية، وإطلاق جحافل الحركة الإسلامية مسلحة بقدر لا تحسد عليه من الصفاقة والاستعلاء لشق صف الحركة الوطنية الديمقراطية المصرية والادعاء بزعامة الشارع المصري.
من الخطورة إضاعة المرحلة الانتقالية على هذا النحو، والتعامل معها كمرحلة مؤقتة، حتى أن المجلس العسكري يسمى حكومة شرف بحكومة تسيير أعمال!!
إننا ندعو لطرح قضايا مستقبل الوطن المصري: شكل الدولة، الصيغة الاقتصادية التي ستحكم المرحلة القادمة، العلاقة مع دول حوض النيل، العلاقات العربية والإقليمية، صيغة العدالة الاجتماعية، شكل نظام التعليم، نظام التأمين الصحي الذي نقبل به للمواطن المصري، قضايا العيش على الرقعة المحدودة من مساحة مصر، تهديدات التغيرات المناخية التي قد تعصف بقاعدة التنمية في مصر.
إثارة هذه القضايا ليس مصادرة على الإرادة الشعبية في اختيار الحزب أو تحالف الأحزاب الذي يحكمها، لكنها ثوابت لتحديد صيغة المستقبل، وبوصلة محددة على اساسها يتم الاختيار بين القوى المتنافسة على أصوات المصريين في الانتخابات القادمة.
في نفس الإطار، لابد من النقاش حول مشروع مصر القومي خلال السنوات العشر القادمة، وأتصور أن يكون تحدي بناء نظام اقتصادي محوري في المنطقة يشكل طرف في ثلاثية تضم مصر وتركيا وإيران، والانتقال بالاقتصاد المصري إلى مصاف الاقتصادات العشرين الأكثر تقدما في العالم. نحن نملك كافة الإمكانات الكامنة من أجل تحقيق ذلك، من خلال رؤية تنموية متكاملة تنهض بالأطر الإنتاجية وتحافظ على الزراعة، وترتقي بالتعليم والصحة وتتمدد أفقيا خارج إطار الوادي والدلتا لكسر حلقة الفقر التي فرضها علينا التمركز في هذا الشريط الضيق المتاخم للنيل، واضعين في الاعتبار مواجهة التحديات البيئية الخطرة التي من شأنها القضاء على مستقبل التنمية في مصر. إن التحدي البيئي المفروض على مصر اليوم لا يسمح لنا بخيارات متعددة، فإما المواجهة الناجحة وإدارة تنمية مستدامة واقتصاد متميز، أو خسارة كل شيء.
إضاعة الوقت في معالجة ومناقشة الطروحات المتخلفة والمريضة للحركة الإسلامية وجنرالات المجلس العسكري سوف يجذب مصر كلها إلى القاع الذي لم يبارحونه في يوم من الأيام. إن مستقبل الحركة الإسلامية هناك في السماء، ولعابهم الدنيوي يسيل على ثروات الخليج، إنه نفس نموذج الترابي/ البشير في السودان الذي انتهي بدون أي رجفة من ضمير إلى التقسيم ولايزال مشروع التقسم قائما. أما مستقبل المجلس العسكري فهو خلف ظهره لأنه ينشد الحفاظ على النظام، وتكبيل مصر كلها بمصالح حفنه مسعورة لا تريد التفريط في مصالحها الضيقة.
مستقبل الأمة المصرية مسئوليتنا، ولن يسامحنا التاريخ إذا فرطنا في هذه المسئولية.
                                                                           د. محمد نعمان نوفل

الأربعاء، 27 يوليو 2011

أحداث العباسية على ضوء جمعة 8 يوليو

تعكس جمعة 8 يوليو نضج وعي القوى المشاركة في الثورة المصرية، وإصرارهم على تحقيق مطالب الثورة وعدم المساومة عليها. لقد أظهرت هذه الجمعة متغيرا جديدا لم يضعه المجلس العسكري في الحسبان ولا فريق الكتبة ومذيعي التلفزيون الذي يسيرون في ركاب المجلس العسكري. إنه يقظة قوى الثورة، واحتفاظها ببوصلة عملها بلا تشويش، رغم كل المعارك الجانبية والاهتمامات السطحية التي تفجرت هنا وهناك، لكنه في لحظة بالغة الصفاء والوضوح أعلن عن جمعة 8 يوليو لتأكيد اليقظة والتمسك بالمطالب. رغم تعدد الأحزاب والائتلافات إلا أن مطالب الجمعة المليونية لم يعتريها التشويش، ولم تتقاسمها خلافات وجهات النظر. ورغم حرارة الجو والحملات المنظمة لتشويه الثورة واغتيالها معنويا، جاء تجمع المصريين متحديا، ومؤكدا على من دعوا لجمعة 8 يوليو تحت شعار الثورة أولا، هم قادة حقيقيون لجماهير تستجيب لهم وتسير خلف قيادتهم.
نتيجة هذه الوقفة المتحدية يوم 8 يوليو، أقدم المجلس العسكري على عدد كبير من التنازلات. وهي في هذه المرحلة تنازلات موجعة. لقد فرط في وزراء لجنة السياسات وعلى رأسهم وزير المالية المعادي للثورة بطريقة صفقة وسافرة. كما ألقي الضوء بشدة على المحاكمات بعد أن تحولت إلى مهزلة حقيقية، وكان إجراءاتها تشق الطريق نحو إفلات المجرمون من العقاب. لم يكن إجبار المجلس العسكري على ضم قضايا قتل المتظاهرين في قضية واحدة بالأمر البسيط. لأن تفكيك القضايا على مستوى الضباط المسئولين مباشرة بالقتل سوف يسقط التهم بالتبعية عن الرؤوس المخططة والمدبرة أي مبارك والعادلي، وكان هذا هو المسار الذي تسير فيه قضايا قتل المتظاهرين.
تحريك قانون الغدر، كان أحد أهم مكاسب جمعة 8 يوليو، لقد أحدثت بذلك نقله نوعية في مسار المحاكمات، بوضع قضية إفساد الحياة السياسية في بؤرة الأحداث بعد أن تصور جهابذة المجلس العسكري أن إشغال المصريين بقضايا الفساد المالي، والتلويح بأمل استرداد مبالغ طائلة من البنوك الغربية سوف يجعلهم ينسون قضية الفساد السياسي، بل وصل الحد بأحد أعضاء المجلس العسكري (اللواء العصار) للتأكيد بأن تهمة الفساد السياسي ليست في القانون، في دعوة صريحة لإغلاق هذا الملف نهائيا، حتى يفلت الفاسدون.
ظهور قوى الثورة بهذه اليقظة والمقدرة على تحريك الشارع، أربك كل الحسابات، رغم احتواء حركة الأخوان المسلمين بواسطة المجلس العسكري، وتعلق الجماعات السلفية بأذيال المجلس بصفته ولي الأمر الحالي.
هذا الوضع الذي أسفر عن حركة اعتصامات مصممه ينبئ بأن هناك المزيد من الضغوط القادمة في الطريق، وأن حالة اليقظة المدعومة بقوة جماهيرية لا يستهان بها لن تسمح بمناورات جديدة في مجال محاكمة الرئيس المخلوع، ولا في مجال تصفية التركة القذرة للنظام السابق. كما نبئ هذه الحالة الثورية بنتائج غير سارة للمجلس العسكري في الانتخابات،  بل إن قوى الثورة يمكنها تعديل قانون الانتخابات المعيب والملتبس بنفس قوة الزخم الراهن لتفويت فرصة ضرب الإرادة الشعبية أمام صناديق الاقتراع.
في مقابل ذلك، خرج علينا المجلس العسكري بمحاولة تخوين أهم حركتين بين حركات الثورة المصرية، إنهما حركة كفاية، وحركة 6 أبريل. تجريم حركة كفاية يعني تجريم حركة احتجاجية جريئة، عمرها 7 سنوات لعبت دورا محوريا في تهيئة الظروف لاندلاع ثورة 25 يناير. ولازالت تمثل أحد أهم الحركات القائدة للثورة المصرية. تجريم حركة 6 أبريل يضرب واحدة من أهم أركان القيادة للثورة المصرية ذات الارتباطات العمالية والامتدادات الواعية في المحافظات. لذلك يعد استهداف هاتين الحركتين عملية مقصودة ومدروسة في مسار مخطط شيطاني لاغتيال الثورة المصرية معنويا والتشكيك في قادتها النبلاء والشرفاء.
في العباسية، كانت القبضة الحديدية في الانتظار. لم يكن الغرض تصفية حركة 6 أبريل أو ضرب اعتصام التحرير ولكنه كان عمل انتقامي رخيص. كان بمثابة الرد المباشر على أوجاع التنازلات التي قدمها المجلس العسكري بعد 8 يوليو. وفي نفس الوقت تنبيه لما يمكن أن يكون عليه الحال في القادم من الأيام. واختبار لنتائج دعايات التخوين التي تزعمها اللواء الرويني على مدى تجاوب الناس مع هذه الأكاذيب، ومستوى صلابة التضامن بين قوى الثورة المصرية (لقد استغربت شخصيا من إقراره على الهواء وببساطة شديدة أنه كان يطلق الشائعات في ميدان التحرير للتأثير على الثوار!!).
لقد خيبت قوى الثورة المصرية آمالهم، وأظهرت درجة راقية من التضامن مع حركتي كفاية و6 أبريل والثقة بهما. كما أثبتت الجماهير المصرية أنها استوعبت دروس التخوين الكاذبة وملتها ولفظتها.
لكن الأمر الذي لا ينبغي التقليل من أهميته هو الإصرار على المضي قدما في مسارات التشكيك والتخوين في قيادات الثورة المصرية، فقد أضافوا إلى حركتي كفاية و6 أبريل 600 منظمة مجتمع مدني تمول من السفارة الأمريكية (كم منظمة مجتمع مدني في مصر أصلا؟). إنهم يمتلكون أدوات إعلامية قوية، من تلفزيون وصحف. وهذا يفسر سبب عدم تطهير المؤسسات الصحفية والإعلامية والاكتفاء بتغييرات شكلية بها. واستبدال وجوه مستهلكة بأخرى لم تستهلك بعد لكنها من نفس الفصيلة منعدمة الضمير المهني. كما لاحظنا تراجعا في أداء الصحف والقنوات التلفزيونية المستقلتين، حتى أن أغلب الصحف المستقلة تعزف عن نشر العديد من الإسهامات الجادة، وتراجعت القنوات المستقلة عن تغطية أحداث التظاهرات والمليونيات والاعتصامات، والاكتفاء بتقارير مجملة. إن مواكبة الحدث تنقل نبض الحدث للمشاهد فترفع من مستوى تفاعله مع ما يدور في ميادين التحرير المصرية. إنهم لا يفعلون ذلك ويدركون الأثر السالب لغيابه.
في الوقت الذي تتصاعد فيه الحملة الشرسة على الثورة المصرية، يتراجع الإعلام المساند للثورة بل ينتقل بعضه في بعض الحالات إلى المعسكر المضاد، مثلما فعلت جريدة المصري اليوم في تغطية أحداث العباسية.
لم يعد الإعلام الموازي عبر مواقع التواصل الاجتماعي كافيا، ولا ما ينشر في بعض الصحف أو من خلال بعض الفضائيات، وبعض المعالجات النزيهة على قناة النيل الإخبارية، ولا الدور الهام الذي تقوم به قناة الجزيرة مباشر. إن الثورة بحاجة للمزيد من الإعلام الثوري.
لقد بعض القيادات والنشطاء بزيارات للمدن والقرى وعقد لقاءات جماهيرية لشرح مطالب الثورة ومناقشة مشكلات الواقع المصري. هذا الاحتكاك المباشر ضروري ومهم جدا تكراره وتكثيفه والرد على كل ما يثار ضد الثورة من أكاذيب. ربما تكون هذه مهمة الأحزاب الوليدة أو التي في طور التكوين، خلال هذه المرحلة.
من الأهمية بمكان دفع الصحفيين الشرفاء في الصحف الحكومية إلى اتخاذ مواقف ضد القيادات الصحفية المأجورة، و ضد مروجي الأكاذيب من صحفي السلطان الذين لم يتخلوا عن أدوارهم القديمة، والحرص على احتلال مساحات للنشر لمساندة الثورة ودحض الأكاذيب. كما ندعو الإعلاميين الشرفاء في ماسبيرو لفرض شروط أكثر مصداقية للعمل، وتحرير هذا المبنى بشكل كامل من الغش والتدليس.
كما أننا في حاجة لوقفة صادقة مع مديري القنوات الفضائية التي تحسب نفسها ضمن حركة الثورة وكذلك رؤساء تحرير الصحف المستقلة المحسوبين على الثورة إلى تحديد واضح للمواقف. إذا كانوا يتعرضون لضغوط، يفصحون عن ذلك، ولا يقللون من شأن الثورة المصرية، فهي قادرة على حمايتهم ودعمهم، ومطاردة من يمارسون عليهم الضغوط، أو يعلنون مواقفهم بشكل واضح، فلا يمكن الإمساك بالعصا إلا من طرف واحد فقط.
                                                                        د. محمد نعمان نوفل

تجريف الثورة في المرحلة الانتقالية، دروس من تجربة سابقة

عندما نتأمل الخطوات التي يقوم بها المجلس العسكري في مصر، نجد أنفسنا في مواجهة منهج متناقض بين قيام المجلس العسكري بحماية الثورة في الميادين منذ يوم 28 يناير، وبين ما تم بعد ذلك من خطوات بعيدة كل البعد عن فكرة أنه شريك في الثورة كما يقرر عدد من أعضائه والمتحدثين باسمه.
حماية الثورة في الميادين كانت حقيقة واقعة، خاصة وأن البيان الرئاسي بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع قد حدد مهمتها في معاونة قوات الشرطة في حفظ الأمن. لكن الجيش لم يفعل ذلك. وإن كان موقفه في أحداث موقعة الجمل يلقى ببعض الظلال حول هذا الدور وبعلامات استفهام.
ورغم الاحتفاء ببيان اللواء محسن الفنجري بتحية الشهداء، فقد فاتنا أنه قبل أداء التحية للشهداء أدي تحية لقاتلهم وهو الرئيس المخلوع. وقد جاءت هذه التحية بعبارات ينبغي التوقف عندها لفهم الموقف التالي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهذا نص ما قاله اللواء: "يتقدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكل التحية والتقدير للسيد الرئيس محمد حسنى مبارك على ما قدمه في مسيرة العمل الوطني، حربا وسلما، وعلى موقفه الوطني في تفضيل المصلحة العليا للوطن". تلي ذلك تحية الشهداء ورفع اليد ودق الكعوب.
ذهب الكثير من المحللين إلى أن المجلس العسكري يسعى للحفاظ على النظام بعد التضحية برئيسه، هذه التضحية التي وصفها المجلس العسكري بأنها اختيار وطني لصالح "المصلحة العليا للبلاد"، وفي ظني أن العبارة الصحيحة ينبغي أن تكون " المصلحة العليا للنظام"
الاتفاق مع فكرة محافظة المجلس العسكري على النظام قد لا تكون إضافة، ولكن منهج المعالجة من قبل المجلس العسكري يثير علامات استفهام، لأنه يعكس خبرة في التعامل غير معهودة في النظم العسكرية العربية ذات اليد الباطشة التي شهدنا مقدماتها في أحداث العباسية يوم 23 يوليو الماضي، وبيانات التخوين أرقام 69، 70. هذه الممارسة الغبية تليق بالبطش العسكري العربي أو العالم ثالثي. لكن ممارسات من نوع " رصيدنا يسمح" وخلط السم بالعسل، ومجاراة مطالب الثورة إلى حين، وتشتيت الجهود أحيان أخرى. وعقد تحالفات جانبية مع الأخوان والحركات السلفية، وتميع المواقف من الفتنة الطائفية، مع إظهار كم هائل من العواطف تجاه المسيحيين في نفس الوقت. مثل هذه الممارسات غريبة على بطش العسكر الذي نعرفه منذ صدح ديك 23 يوليو من 59 عاما.
في التجارب المعادية للثورات هناك خبرتان. خبرة قمع الثورات، وخبرة احتواء الثورات وحرفها عن وجهتها. الخبرة الأولى يعهد بها في العادة إلى عضلات العسكر. أما الخبرة الثانية فهي لعبة قوى وتنظيمات مدنية. في مصر يقوم العسكر بعملية الاحتواء وحرف الثورة عن وجهتها متحالفين مع الحركات الإسلامية لتشتيت جهد الثورة. واختراع أهداف جانبية من حين لآخر وافتعال معارك عقائدية ليس لها محل، منها على سبيل المثال المعركة الأخيرة حول تهديد المبادئ فوق الدستورية للعقيدة الإسلامية، كيف يكون هذا؟ لا نعرف.
خبرة احتواء الثورة وحرفها عن وجهتها، ظهرت جلية في إحدى بلدان أوربا الشرقية، فليس صحيحا أن جميع هذه البلدان قامت بثورات معلبة كالوجبات الأمريكية السريعة. في المجر كان الأمر مختلفا. أتصور أن تأمل هذه التجربة سوف يساعد كثيرا في إلقاء الضوء على ما يحدث في مصر الآن.
ليس صحيحا أن الثورة المجرية التي بدأت في التجذر من عام 1983 حتى سقوط النظام عام 1989 كانت تدعو إلى دولة رأسمالية، لقد تمحورت هذه الثورة حول أربعة أهداف، وهي:
·        حريات ديمقراطية في ظل نظام اشتراكي يضمن تداول السلطة بين الأحزاب وتوفير الحريات النقابية، وحريات الصحافة والإعلام.
·        الخروج من الأحلاف العسكرية وإتباع سياسة الحياد في الصراعات الدولية ونبذ التسلح.
·        حل مشكلات الأقليات المجرية في الدول المجاورة، وإقامة رابطة معهم مركزها الوطن الأم.
·        إيقاف مشروع مولد الكهرباء الهيدروليكي في منطقة "بوش ناج ماروش" لمخاطره البيئة الواسعة، وتكلفته المالية العالية في ظل فوائدة المحدودة للمجر، إذ تذهب غالبية موارد الطاقة المتولدة للنمسا، وليس للمجر.
اشتد ساعد الحركة المعارضة في عام 1988 وتشكل أهم التنظيمات المعبرة عنها وهو المنتدى المجرى الديمقراطي (تأسس عام 1987)، وتصاعدت الحركات الاحتجاجية ضد مشروع بوش ناج ماروش، وضد اضطهاد الأقلية المجرية في رومانيا، وفساد قيادات حزب العمال الاشتراكي. كما حدث عدد من الإضرابات العمالية من أجل تحسين الأجور وأبعاد القيادات الفاسدة، وتهديد مزارعي بعض المزارع الرئيسية بعدم جمع محصول القمح إلا بعد طرد المديرين الفاسدين. وانعكست هذه الحركات الاحتجاجية داخل الجامعات التي نظمت إضرابات واعتصامات ضد نظام الحكم.
في مقابل ذلك قام قادة حزب العمال الاشتراكي المجري بعملية تغيير مسار حادة باتجاه الغرب، انتهت بزيارة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة ومن هناك وجه بعض الانتقادات للاتحاد السوفيتي. كما وثقوا عرى العلاقات مع ألمانيا الغربية وقتذاك وساهموا مساهمة فعالة (منذ عام 1988) في هجرة الرومانيين والألمان الشرقيين إلى النمسا وألمانيا الغربية. وبذلك ضمن قادة هذا الحزب لأنفسهم موقعا مميزا لدى المعسكر الغربي. في ربيع 1989 تحول الحزب إلى الحزب الاشتراكي المجري واعتنق الاشتراكية الديمقراطية. وفي أكتوبر 1989 أعلنوا بأنفسهم حل الجمهورية المجرية الاشتراكية الديمقراطية، وإعلان جمهورية المجر.
لقد استبقوا الثائرين بخطوات، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد نقبوا في الدفاتر القديمة عن حزب الفلاح الصغير، وبعثوا فيه الحياة. هذا الحزب كان يلعب دورا في الاحتجاجات الفلاحية قبل عام 1944، وهو يدافع عن الملكيات الصغيرة للأراضي. وجاء الحزب حاملا تراثه القديم فأحدث حالة من الفوضى في الحياة السياسية بالمطالبة بأراضي الفلاحين الصغار التي ذابت في التعاونيات الزراعية. ولكنهم أيقظوا شهوة الملكية الصغيرة عند الأحفاد في عملية بحث عن قطع الأراضي الصغيرة التي كان يملكها أجدادهم والمساحات القزمية التي تمثل أنصبة لهم، ولا يعرفون مكان لهذه المساحات. بهذه الطريقة تم تحييد القسم الأكبر من السكان بعيدا عن عملية التغيير، بخلق قضايا وهمية قريبة من تلك القضايا التي تثيرها الحركات الإسلامية في مصر. بل مع تشكيل أول حكومة بقيادة يوجف أنتال الذي رفع راية عودة المسحية إلى المجر، دُفع بين الناس بسؤال غريب حول كون المجر كاثوليكية أو بروتستانتية. لكن هذا السؤال المؤامرة مات في مهده بسبب ارتفاع المستوى التعليمي في البلاد، وعدم اعتبار الاختلافات الدينية قضية مؤثرة.
ظهرت على السطح قضايا الفساد، وهو فساد أثنين من رؤساء الوزارات. أحدهما متهم بتقاضي رشوة من بنوك ألمانيا الغربية والآخر متهم بتقاضي رشوة من حكومة ألمانيا الغربية لتهريب الألمان الشرقيين إلى الغرب قبل سقوط سور برلين. دافع النظام بشراسة عن عدم تقديمهم للمحاكمة، حتى نجح في ذلك. ونجح بالتبعية في إغلاق ملف الفساد كاملا.
طالب الثائرون بمحاسبة جهاز الأمن الوطني الذي روع المواطنين وكبت الحريات وتجسس على الجميع. فكشفت الحكومة قسم من سجلات الجهاز تفضح عمالة بعض المثقفين والفنانين، كما نشروا كم هائل من الفضائح الجنسية، مما مثل تهديدا لعدد من الأسر فطالب الناس بإغلاق الملفات، وأفلت جهاز الأمن الوطني بجرائمه، كما أفلت جهاز مباحث أمن الدولة في مصر بجرائمه.
اخترقت الجماعات الصهيونية المنتدى المجري الديمقراطي بعد تحوله إلى حزب سياسي بمساعدة رئيس الوزراء يوجيف أنتال فخرج منه مؤسسية السبعة عشر جميعا، وأغلبهم اليوم يعانون من الاضطهاد والتهميش، والباقي قبل بأدوار ما في الحياة السياسية منهم مؤسس المنتدى الشاعر المجرى الكبير شاندور تشوري الذي استبعد وجود ديمقراطية في بلاده في خريف عام 2009 لأن الديمقراطية لا تقوم على الفساد.
في عام 1990 أعلنت الحكومة الاستمرار في مشروع مولد الكهرباء الهيدروليكي بوش ناج ماروش ونفت بشدة وجود أي أضرار بيئية
في عام 1991 شاركت المجر بقوات رمزية في حرب تحرير الكويت ضمن قوات التحالف الدولي.
من عام 1992 بدأت أكبر عملية تصفية للثروة الوطنية فيما عرف بمشاريع الخصخصة، وقد صاحبها فضائح مالية مدوية.
في عام 1999 انضمت جمهورية المجر إلى حلف الناتو فيما اعتبره الحزب الاشتراكي المجري نصرا له ودخول إلى التاريخ.
في عام 2003 شاركت المجر بقوات رمزية في حرب احتلال العراق.
في عام 2004 رفض مشروع قانون لدعم الأقليات المجرية في الدول المجاورة بأغلبية كبيرة في البرلمان.
عام 2006 وصف بأنه عام الفضائح المالية الكبرى وشهد أكبر عملية تسوية في مجال الفساد بين الأحزاب المتنافسة على الحكم في أغسطس من نفس العام.
لقد ارتدت المجر تماما عن أهداف ثورتها من خلال عملية احتواء واسعة لحركة الثورة وتفريط من قيادات الثورة في المجر وقبولهم بالدخول في صراعات ليس لها أي معني، ولا يمكن تبرئة حزب الفلاح الصغير من حالة الفوضى التي أشاعها في المجتمع، وفي النهاية تم التخلص منه بفضيحة مالية وجنسية مدبرة.
وللمزيد من تعقيد عمليات التغير الديمقراطي وضع قانون انتخابات على أساس 50% للمقاعد الفردية، و50% للقوائم النسبية. هناك شبة، ولكن القانون المصري أكثر تعقيدا ففي داخل كل قسم 50% أخرى للعمال والفلاحين. وهذه الطبخة المعقدة تتضاعف في نفس اليوم مرتين لانتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى معا.
ترى هل خبرة ما يحدث في بلادنا الآن، خبرة مصرية خالصة، أم أن معمل التجربة التاريخية في أوربا الشرقية أنتج عناصر مفيدة في التعامل مع الثورة المصرية.
                                                                                    د. محمد نعمان نوفل

الأربعاء، 6 يوليو 2011

الاغتيال المعنوي للثورة


اشتدت الآلة الدعائية لوزارة الداخلية وتابعيهم من كتبة الصحف في التشكيك في الشهداء، ومحاولة الإيهام بأن شهداء الثورة كانوا مجموعة من البلطجية الذين هاجموا أقسام الشرطة الآمنة!! وأن ضباط وأمناء وجنود الشرطة الذين قتلوهم كانوا في حالة دفاع عن النفس وعن الأموال العامة، بل كانوا يحمون المجتمع من المزيد من الشرور، إذ يتساءل أحدهم عما ماذا كان يحدث للمجتمع المصري الآمن لو تمكن هؤلاء من الوصول إلى أماكن تخزين الأسلحة في الأقسام؟

بهذا المنطق المزيف يحولون القاتل إلى بطل والشهيد إلى مجرم، لم ينذر حياته لحرية وطنه ولكنه كان من معتادي الإجرام بل ويرمي إلى المزيد من الإجرام.

الغرض من هذا الطرح الصفق الكاذب المزيف ليس مجرد السعي الدؤوب لإسقاط التهم عن القتلة من ضباط وأفراد الشرطة، ولكن الهدف أوسع بكثير، إنه الاغتيال المعنوي للشهداء. وإذا كان شهداء الثورة كذلك، وهم مناراتها، وحول ذكراهم يلتف الملايين، فإن مثل هذه الثورة التي ظهر أن شهدائها بلطجية ومشبوهين ومعتادي إجرام، لا خير فيها. بل هي بالأحرى ورطة أو كذبة كبرى. هذا الاستنتاج هو ما يسعى إليه المجموعة الحاكمة اليوم، بعد أن نجحوا في تفتيت وحدة القوى المشاركة في الثورة، وحولوا المحاكمات إلى مهزلة فاقدة للجدية والحسم، وبددوا كثيرا من زخم الإدانة الشعبية نحو مبارك ونظام حكمه، بل أقدموا على عملية خلط أوراق بالغة الخطورة عندما شكلت الحكومة الانتقالية برئاسة د. شرف وبداخلها رجال النظام السابق، وهم الذين يمسكون بمفاصل الحكومة الحالية. إنهم سمير رضوان وزير المالية، والعرابي وزير الخارجية،  ووزيري الداخلية السابق والحالي، والنائب العام الأسبق في عهد مبارك وزيرا للعدل، ووزير البترول والثروة المعدنية حتى تظل أسرار السرقات والنهب العظيم تحت أختامها. حكومة كهذه هي حكومة انقلاب على الثورة وليست حكومة الثورة.

بعد تشتيت الحركة الجماهيرية واستنزافها في مهازل الفتن الطائفية التي أبلى فيها السلفيون حلفاء نظام مبارك، بلاء حسنا، يشعر المجلس العسكري وحكومة الانقلاب أن الوضع ممهد الآن لبدء مخطط التصفية المباشرة للثورة، وأولى خطواته الاغتيال المعنوي للشهداء. هذا الاغتيال المعنوي لا يتم فقط بتشويههم ولكن بتصفية قضيتهم من خلال الضغوط والمساومات مع ذويهم. أجواء المساومات تلك تخرج بقضية الشهيد إلى دروب مبتذلة، فقد تحول إلى سلعة يقدر ثمنها أحد جهابذة السلفيين بمائة ناقة مختلفة الأعمار.

إذا نجحوا في ابتذال قضية الشهداء، فقد نجحوا في ابتذال أرقي مثل هذه الثورة وبذلك يتحقق لهم الاغتيال المعنوي للثورة، وهو الخطوة الأولى العملية نحو التصفية.

مأزق الدستور


يدور الجدل الآن بين الأطراف المختلفة حول أولوية الدستور أو أولوية الانتخابات، في جو من الشكوك والترقب لاستجابة بالحوار من المجلس العسكري، لعل الأطراف التي تدعو للدستور أولا تتمكن من "إقناع" المجلس العسكري برأيها حول أولوية الدستور. وعندما شعرت جماعة الإخوان المسلمون ببعض القلق من أن تنجح الضغوط على المجلس العسكري سارع د. عصام العريان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بتهديد المجلس العسكري بمعارضة أي تنازل منه نحو أولوية الدستور. وكأن لسان حال د. العريان يلوح بتقوض التحالف المعقود بين الجماعة والمجلس العسكري. صحيح أنه تحالف غير معلن، ولكن الحمل الحرمان لا يمكن إخفائه.

على صعيد آخر سعت أطراف أخرى لإعداد مسودات لدستور جديد وتسعى لتوصيلها إلى المجلس العسكري مشكلين، قدر الاجتهاد، لجان تعبر عن أغلب التيارات السياسية الفاعلة في المجتمع. وهي نوع من محاولات فرض الأمر الواقع، ولكنه أمر واقع بلا قوة تدعمه. وقد صاحب ذلك دعوة لاختيار لجنة لوضع دستور جديد للبلاد قبل الانتخابات البرلمانية.

أما الدكتور البرادعي فقد سعي من ناحيته إلى حل وسط وهو وضع مجموعة من المبادئ الدستورية المرشدة، ويدعو لتوافق كل القوى عليها حتى تكون ملزمة للجنة إعداد الدستور لدى تشكيلها بعد انتخابات مجلس الشعب القادمة. نفس هذه الفكرة يتلقفها تحالف شباب الثورة ويدعو إلى عداد وثيقة مشابهة، قد تقترب قليلا أو تبتعد عن وثيقة البرادعي.

على صعيد ثالث هناك فريق يدعو إلى الاتفاق على بعض المواد فوق الدستورية في محاولة لتأمين الدستور من أي عمليات التفاف حالي أو مستقبلي.

وسط كل هذا لا تزال لجنة التوافق الوطني لصاحبها الدكتور يحي الجمل تعمل ولا نعرف ماذا تعمل بالضبط اللهم بعض التسريبات عن أنشطة بعض لجانها،  وهي على أي حال تعمل- أي اللجنة- على إعداد وثيقة دستور استرشاديه !! للجنة الأصلية التي سوف تشكل بعد الانتخابات.

هذا الجو الملتبس والمشكل صنعة عباقرة المجلس العسكري، عندما نفذوا مشيئة مبارك بتعديل 11 مادة من الدستور ثم أجروا عليها استفتاء، فوقعوا في مأزق إعادة بعث الدستور المعطل الذي تقضي مواده بعدم دستورية وجودهم، فعطلوا الدستور لحساب إعلان دستوري متعجل يلزم بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وهذا الإلزام في حد ذاته كان وليد ورطة للمجلس الذي أصدر إعلانه الدستوري بعد الاستفتاء فكان لزاما عليه أن يحشر مواد الاستفتاء في هذا الإعلان حتى يمنح استفتائه مبررا أمام الناس.

المحصلة وجدنا أنفسنا في ورطة من صنع جنرالات تعددت أخطائهم حتى فاقت الحد.

في تقديري، أننا أمام هذه الورطة لا نملك غير دخول الانتخابات البرلمانية، بعد الاتفاق على وثيقة د. البرادعي أو وثيقة مقاربة لها، حتى يوضع قيد ما أمام خطة الالتفاف على إرادة الأمة التي يحيكها كل من الإخوان والسلفيون والمجلس العسكري مجتمعين. أما فكرة اختيار لجنة لوضع الدستور أولا فهي فكرة محفوفة بالمخاطر. تكمن خطورتها في أننا سنضع مرة أخرى الكرة في ملعب المجلس العسكري لاختيار هذه اللجنة ومهما شددنا على مواصفات أعضائها، فالمجلس هو الذي يملك القوة لفرض الأمر الواقع حاليا، بعد أن تبعثرت الحركة عن جماهيرها. وبالطبع لا يخفى على أحد السوء المتوقع لاختيارات المجلس العسكري. ساعتها سوف نندم كثيرا على أن الدستور قد جاء أولا.