اشتدت الآلة الدعائية لوزارة الداخلية وتابعيهم من كتبة الصحف في التشكيك في الشهداء، ومحاولة الإيهام بأن شهداء الثورة كانوا مجموعة من البلطجية الذين هاجموا أقسام الشرطة الآمنة!! وأن ضباط وأمناء وجنود الشرطة الذين قتلوهم كانوا في حالة دفاع عن النفس وعن الأموال العامة، بل كانوا يحمون المجتمع من المزيد من الشرور، إذ يتساءل أحدهم عما ماذا كان يحدث للمجتمع المصري الآمن لو تمكن هؤلاء من الوصول إلى أماكن تخزين الأسلحة في الأقسام؟
بهذا المنطق المزيف يحولون القاتل إلى بطل والشهيد إلى مجرم، لم ينذر حياته لحرية وطنه ولكنه كان من معتادي الإجرام بل ويرمي إلى المزيد من الإجرام.
الغرض من هذا الطرح الصفق الكاذب المزيف ليس مجرد السعي الدؤوب لإسقاط التهم عن القتلة من ضباط وأفراد الشرطة، ولكن الهدف أوسع بكثير، إنه الاغتيال المعنوي للشهداء. وإذا كان شهداء الثورة كذلك، وهم مناراتها، وحول ذكراهم يلتف الملايين، فإن مثل هذه الثورة التي ظهر أن شهدائها بلطجية ومشبوهين ومعتادي إجرام، لا خير فيها. بل هي بالأحرى ورطة أو كذبة كبرى. هذا الاستنتاج هو ما يسعى إليه المجموعة الحاكمة اليوم، بعد أن نجحوا في تفتيت وحدة القوى المشاركة في الثورة، وحولوا المحاكمات إلى مهزلة فاقدة للجدية والحسم، وبددوا كثيرا من زخم الإدانة الشعبية نحو مبارك ونظام حكمه، بل أقدموا على عملية خلط أوراق بالغة الخطورة عندما شكلت الحكومة الانتقالية برئاسة د. شرف وبداخلها رجال النظام السابق، وهم الذين يمسكون بمفاصل الحكومة الحالية. إنهم سمير رضوان وزير المالية، والعرابي وزير الخارجية، ووزيري الداخلية السابق والحالي، والنائب العام الأسبق في عهد مبارك وزيرا للعدل، ووزير البترول والثروة المعدنية حتى تظل أسرار السرقات والنهب العظيم تحت أختامها. حكومة كهذه هي حكومة انقلاب على الثورة وليست حكومة الثورة.
بعد تشتيت الحركة الجماهيرية واستنزافها في مهازل الفتن الطائفية التي أبلى فيها السلفيون حلفاء نظام مبارك، بلاء حسنا، يشعر المجلس العسكري وحكومة الانقلاب أن الوضع ممهد الآن لبدء مخطط التصفية المباشرة للثورة، وأولى خطواته الاغتيال المعنوي للشهداء. هذا الاغتيال المعنوي لا يتم فقط بتشويههم ولكن بتصفية قضيتهم من خلال الضغوط والمساومات مع ذويهم. أجواء المساومات تلك تخرج بقضية الشهيد إلى دروب مبتذلة، فقد تحول إلى سلعة يقدر ثمنها أحد جهابذة السلفيين بمائة ناقة مختلفة الأعمار.
إذا نجحوا في ابتذال قضية الشهداء، فقد نجحوا في ابتذال أرقي مثل هذه الثورة وبذلك يتحقق لهم الاغتيال المعنوي للثورة، وهو الخطوة الأولى العملية نحو التصفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق