لقد ابتذل الحوار الوطني في مرحلة الانتقال بفضل جماعة الإخوان المسلمين ومعها رهط الحركات الإسلامية والسلفية، وفي معيتهم المجلس العسكري. كما استساغ عدد من المثقفين الحديث في المجردات النظرية والسياسية وأغوتهم البنى الفوقية للسياسة فحلقوا بعيدا عن الواقع وعن الجماهير المصرية في آن واحد.
لقد استدرجنا بسبب جهل المحاورين في الطرف الآخر إلى مناقشات حول المبادئ الأولية المجردة للقانون الدستوري تارة، أطوار أخرى للدفاع عن العلمانية والدفاع الذاتي عن العقائد الدينية لفصائل اليسار والحركة الديمقراطية. والجديد اليوم، ما أبدعته قريحة جنرالات المجلس العسكري بالتخوين التدريجي للحركة الديمقراطية، وإطلاق جحافل الحركة الإسلامية مسلحة بقدر لا تحسد عليه من الصفاقة والاستعلاء لشق صف الحركة الوطنية الديمقراطية المصرية والادعاء بزعامة الشارع المصري.
من الخطورة إضاعة المرحلة الانتقالية على هذا النحو، والتعامل معها كمرحلة مؤقتة، حتى أن المجلس العسكري يسمى حكومة شرف بحكومة تسيير أعمال!!
إننا ندعو لطرح قضايا مستقبل الوطن المصري: شكل الدولة، الصيغة الاقتصادية التي ستحكم المرحلة القادمة، العلاقة مع دول حوض النيل، العلاقات العربية والإقليمية، صيغة العدالة الاجتماعية، شكل نظام التعليم، نظام التأمين الصحي الذي نقبل به للمواطن المصري، قضايا العيش على الرقعة المحدودة من مساحة مصر، تهديدات التغيرات المناخية التي قد تعصف بقاعدة التنمية في مصر.
إثارة هذه القضايا ليس مصادرة على الإرادة الشعبية في اختيار الحزب أو تحالف الأحزاب الذي يحكمها، لكنها ثوابت لتحديد صيغة المستقبل، وبوصلة محددة على اساسها يتم الاختيار بين القوى المتنافسة على أصوات المصريين في الانتخابات القادمة.
في نفس الإطار، لابد من النقاش حول مشروع مصر القومي خلال السنوات العشر القادمة، وأتصور أن يكون تحدي بناء نظام اقتصادي محوري في المنطقة يشكل طرف في ثلاثية تضم مصر وتركيا وإيران، والانتقال بالاقتصاد المصري إلى مصاف الاقتصادات العشرين الأكثر تقدما في العالم. نحن نملك كافة الإمكانات الكامنة من أجل تحقيق ذلك، من خلال رؤية تنموية متكاملة تنهض بالأطر الإنتاجية وتحافظ على الزراعة، وترتقي بالتعليم والصحة وتتمدد أفقيا خارج إطار الوادي والدلتا لكسر حلقة الفقر التي فرضها علينا التمركز في هذا الشريط الضيق المتاخم للنيل، واضعين في الاعتبار مواجهة التحديات البيئية الخطرة التي من شأنها القضاء على مستقبل التنمية في مصر. إن التحدي البيئي المفروض على مصر اليوم لا يسمح لنا بخيارات متعددة، فإما المواجهة الناجحة وإدارة تنمية مستدامة واقتصاد متميز، أو خسارة كل شيء.
إضاعة الوقت في معالجة ومناقشة الطروحات المتخلفة والمريضة للحركة الإسلامية وجنرالات المجلس العسكري سوف يجذب مصر كلها إلى القاع الذي لم يبارحونه في يوم من الأيام. إن مستقبل الحركة الإسلامية هناك في السماء، ولعابهم الدنيوي يسيل على ثروات الخليج، إنه نفس نموذج الترابي/ البشير في السودان الذي انتهي بدون أي رجفة من ضمير إلى التقسيم ولايزال مشروع التقسم قائما. أما مستقبل المجلس العسكري فهو خلف ظهره لأنه ينشد الحفاظ على النظام، وتكبيل مصر كلها بمصالح حفنه مسعورة لا تريد التفريط في مصالحها الضيقة.
مستقبل الأمة المصرية مسئوليتنا، ولن يسامحنا التاريخ إذا فرطنا في هذه المسئولية.
د. محمد نعمان نوفل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق