يدور الجدل الآن بين الأطراف المختلفة حول أولوية الدستور أو أولوية الانتخابات، في جو من الشكوك والترقب لاستجابة بالحوار من المجلس العسكري، لعل الأطراف التي تدعو للدستور أولا تتمكن من "إقناع" المجلس العسكري برأيها حول أولوية الدستور. وعندما شعرت جماعة الإخوان المسلمون ببعض القلق من أن تنجح الضغوط على المجلس العسكري سارع د. عصام العريان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بتهديد المجلس العسكري بمعارضة أي تنازل منه نحو أولوية الدستور. وكأن لسان حال د. العريان يلوح بتقوض التحالف المعقود بين الجماعة والمجلس العسكري. صحيح أنه تحالف غير معلن، ولكن الحمل الحرمان لا يمكن إخفائه.
على صعيد آخر سعت أطراف أخرى لإعداد مسودات لدستور جديد وتسعى لتوصيلها إلى المجلس العسكري مشكلين، قدر الاجتهاد، لجان تعبر عن أغلب التيارات السياسية الفاعلة في المجتمع. وهي نوع من محاولات فرض الأمر الواقع، ولكنه أمر واقع بلا قوة تدعمه. وقد صاحب ذلك دعوة لاختيار لجنة لوضع دستور جديد للبلاد قبل الانتخابات البرلمانية.
أما الدكتور البرادعي فقد سعي من ناحيته إلى حل وسط وهو وضع مجموعة من المبادئ الدستورية المرشدة، ويدعو لتوافق كل القوى عليها حتى تكون ملزمة للجنة إعداد الدستور لدى تشكيلها بعد انتخابات مجلس الشعب القادمة. نفس هذه الفكرة يتلقفها تحالف شباب الثورة ويدعو إلى عداد وثيقة مشابهة، قد تقترب قليلا أو تبتعد عن وثيقة البرادعي.
على صعيد ثالث هناك فريق يدعو إلى الاتفاق على بعض المواد فوق الدستورية في محاولة لتأمين الدستور من أي عمليات التفاف حالي أو مستقبلي.
وسط كل هذا لا تزال لجنة التوافق الوطني لصاحبها الدكتور يحي الجمل تعمل ولا نعرف ماذا تعمل بالضبط اللهم بعض التسريبات عن أنشطة بعض لجانها، وهي على أي حال تعمل- أي اللجنة- على إعداد وثيقة دستور استرشاديه !! للجنة الأصلية التي سوف تشكل بعد الانتخابات.
هذا الجو الملتبس والمشكل صنعة عباقرة المجلس العسكري، عندما نفذوا مشيئة مبارك بتعديل 11 مادة من الدستور ثم أجروا عليها استفتاء، فوقعوا في مأزق إعادة بعث الدستور المعطل الذي تقضي مواده بعدم دستورية وجودهم، فعطلوا الدستور لحساب إعلان دستوري متعجل يلزم بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وهذا الإلزام في حد ذاته كان وليد ورطة للمجلس الذي أصدر إعلانه الدستوري بعد الاستفتاء فكان لزاما عليه أن يحشر مواد الاستفتاء في هذا الإعلان حتى يمنح استفتائه مبررا أمام الناس.
المحصلة وجدنا أنفسنا في ورطة من صنع جنرالات تعددت أخطائهم حتى فاقت الحد.
في تقديري، أننا أمام هذه الورطة لا نملك غير دخول الانتخابات البرلمانية، بعد الاتفاق على وثيقة د. البرادعي أو وثيقة مقاربة لها، حتى يوضع قيد ما أمام خطة الالتفاف على إرادة الأمة التي يحيكها كل من الإخوان والسلفيون والمجلس العسكري مجتمعين. أما فكرة اختيار لجنة لوضع الدستور أولا فهي فكرة محفوفة بالمخاطر. تكمن خطورتها في أننا سنضع مرة أخرى الكرة في ملعب المجلس العسكري لاختيار هذه اللجنة ومهما شددنا على مواصفات أعضائها، فالمجلس هو الذي يملك القوة لفرض الأمر الواقع حاليا، بعد أن تبعثرت الحركة عن جماهيرها. وبالطبع لا يخفى على أحد السوء المتوقع لاختيارات المجلس العسكري. ساعتها سوف نندم كثيرا على أن الدستور قد جاء أولا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق