بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 مارس 2011

الأولويات الاقتصادية لحل المشاكل العاجلة

فاجأنا وزير المالية الهمام عضو لجنة السياسات بأهم أولوياته وهو إعادة فتح البورصة، زاعما خطر شطب البورصة المصرية، ولا نعرف ممن تشطب البورصة إلا من بعض مؤسسات التصنيف الاقتصادي والائتماني التي تصنف البورصات طبقا لقواعد خاصة بها تعد أساسا لتوجيه النصيحة للمستثمرين لتوجيه استثماراتهم. والبورصة المصرية لا تتمتع من الأصل بمستوى تصنيف جيد، فهي من البورصات ذات مستوى الشفافية المنخفضة. كما ساهم في ذلك عمليات البيع الواسعة التي تمت بعد يوم 25 يناير بغرض تهريب الثروات وأدت إلى خسارة البورصة في يومين 18 % من قيمة أصولها، وتزامن مع ذلك انخفاض حاد في قيمة الجنية المصري أمام أغلب العملات بسبب التكالب على تحويل عوائد بيع الأصول في البورصة إلى عملات صعبة حتى يمكن تهريب حصيلة الغنائم إلى الخارج.
لكن الأثر السلبي لعمليات تهريب الغنائم على قيمة الجنية المصري، كان له أثرا مرتبطا، وهو ارتفاع الأسعار في السوق المحلي بسبب الاعتماد على الاستيراد في أغلب السلع الاستهلاكية خاصة الغذائية.
من ناحية أخرى أدي انعدام الأمن على الطرقات لفترة من الوقت، واستمراره في بعض المناطق حتى الآن إلى تعثر عمليات نقل البضائع من مراكز التصنيع، ومواقع التخزين إلى منافذ البيع. هذا الوضع نتج عنه مشكلتين، الأولى زيادة الأسعار في السوق المحلي بسبب نقص السلع المتاحة لدى تجار التجزئة. أما الثانية فهي إغلاق بعض المصانع بسبب توقف دورة رأس المال لهذه المصانع وتراكم المخزون لديها، ومثل هذه المصانع التي أغلقت تعد مصانع ذات مقدرة مالية محدودة، فلن تتحمل تراكم المخزون، ولا نمو هذا التراكم لوقت لا يعرفون متي ينتهي. أي أن هذه المصانع لم تغلق بسبب الحركات الاحتجاجية ولا بسبب اعتصام ميدان التحرير، وتجمعات الثورة في ميادين المدن المختلفة.
على الأجل القصير جدا، لا يمكن حل مشكلة انخفاض قيمة الجنية المصري، وتصحيح أثر ذلك على الأسعار. لكن أثر انعدام الأمن على حركة تداول السلع يمكن حله من خلال إجراءات محددة تقوم بها الحكومة فورا، بتوجيه القدر الأكبر من قوة الشرطة والشرطة العسكرية نحو تأمين الطرق لتحقيق سيولة انتقال البضائع وإعادة تشغيل المصانع المتضررة. ونرى أن توجيه الشرطة العسكرية جهودها لتأمين الطرق سيكون أجدى وأكرم كثيرا من فض التظاهرات والاعتصامات والاعتداء على الحرم الجامعي.
من ناحية أخرى، تتلخص مطالب ما يسمى بالاحتجاجات الفئوية في مطلبين، هما:
·        عدالة الأجور.
·        الاستقرار الوظيفي
فبدلا من أن تسن حكومة الدكتور شرف قانونا لتجريم الاحتجاج والتظاهر فإنها تستطيع حل المشكلة من خلال الإجراءات التالية:
أولا، لتحقيق عدالة توزيع الأجور لن تحتاج الحكومة إلى موارد إضافية من الخزانة العامة، ولكن الأمر سيحل من خلال مراجعة المرتبات والبدلات والحوافز ومختلف المزايا النقدية التي يحصل عليها كبار موظفي الدولة وبقايا القطاع العام، وبعض موظفي الأجهزة الحكومية المحظوظة، لتحقيق عدالة توزيع الأجور. إن إعادة العدالة لمصروفات الباب الأول ونظم الحوافز سوف يحل هذه المشكلة. ويمكن تحقيق ذلك بتوسيع عضوية المجلس الأعلى للأجور حتى يضم ممثلي إتحاد النقابات المستقلة، وتعرض على هذا المجلس كل أنواع الأجور الإضافية والحوافز والمزايا النقدية المختلفة حتى يحقق العدالة بين العاملين بتخفيض الفارق الهائل بين الحد الأدنى والحد الأعلى لدخول العاملين.
ثانيا، تحقيق الاستقرار الوظيفي لهذا العدد الكبير من العاملين بعقود غير مستقرة، والمحرومون من التأمينات الاجتماعية، وكافة المزايا النقدية، فضلا عن انخفاض أجورهم لما دون أجر الوظائف التي يقومون بها إلى حد كبير، ترجع مشكلتهم إلى سببين، هما:
·        وجود جيش جرار من المعينين على وظائف استشارية من الموظفين المتقاعدين أصحاب الحظوة، وهؤلاء يزاحمون الشباب على الموارد المالية للجهات الحكومية.
·        الأعداد الكبيرة من ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين الذين هبطوا على الجهات الحكومية فاحتلوا نسبة لا بأس بها من الوظائف الإشرافية والقيادية، فسلبوا هذا الشباب الحق في التعيين وفي وظيفة مستقرة، فضلا عن سلب زملائهم من العاملين الأقدم والأكفاء من الحق في الترقي. وفي نفس الوقت يجمع هؤلاء الضباط المتقاعدين بين مرتبات تقاعد مجزية وبين مرتبات ومزايا نقدية عالية من الجهات التي يعملون بها.
وفي نفس الوقت، يقوم المعينين بعقود بعمل حقيقي تحتاجه جهة العمل، ولا يجزي عن عمله بصورة عادلة
إذن الحل بسيط، ويكمن في تفريغ كافة الجهات الحكومية وبقايا القطاع العام من هؤلاء المزاحمين للشباب الذي يعمل ولا يملك الحق في أجر مناسب ولا استقرار وظيفي.
على صعيد موازي، تعاني الموارد المالية للدولة من تراجع حالي، وقد ذهب البعض إلى توقع زيادة عالية جدا في عجز الميزانية (قدر بحوالي 190 مليار جنية ولا نعرف على أي أساس تم حساب هذا الرقم). في مواجهة هذه المشكلة هناك حاجة ماسة وعاجلة لزيادة موارد الخزانة العامة من موارد حقيقية.
منذ عدة سنوات أعلن الجهاز المركزي للمحاسبات عن وجود حوالي 600 صندوق خاص في الجهات الحكومية لا تدخل إيراداتها ضمن إيرادات الدولة، ولا تخضع للقيود المالية المعروفة في الصرف. وقد قدر الجهاز المركزي للمحاسبات إيرادات هذه الصناديق بمبالغ كبيرة جدا يعجز المرء عن تصديقها. يضاف إلى ذلك موارد وزارة الداخلية من طابع الشرطة، وبعض الغرامات والمخالفات والرسوم التي لا تدخل ضمن الإيرادات العامة تمول منها المشاريع الاقتصادية للوزارة بعيدا عن القواعد المعروفة للرقابة المالية ولا رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. وهذه المبالغ تمثل موارد ميزانية موازية لوزارة الداخلية، وهي في نفس الوقت خارج الميزانية العامة للدولة. لذلك لابد من ضم جميع موارد الصناديق الخاصة وموارد وزارة الداخلية إلى إيرادات الميزانية، ويتم الصرف منها طبقا لقواعد الميزانية، وحسب أولويات الإنفاق العام. وبذلك تتحقق موارد حقيقية للميزانية من ناحية ويغلق باب متسع للفساد. وينسحب هذا الأمر على موارد الحسابات الخاصة برئاسة الجمهورية، سواء في هيئة قناة السويس أو أي هيئات أخرى.
يضاف إلى ما سبق أن الحاجة إلى تعزيز موارد الاقتصاد القومي بصورة عاجلة في نفس الوقت الذي نلاحظ فيه وجود تسرب كبير لموارد الثروة الوطنية في قطاع البترول، وأبرز مسالك هذا التسرب متمثل في صادرات الغاز التي تتم من خلال شركة (أو شركات) وسيطة ولا يتعلق الأمر بصادرات الغاز إلى إسرائيل فقط، ولكن نفس الأمر يتم بالنسبة لصادرات أسبانيا، وربما هناك بلدان أخرى، فهناك غموض كبير مضروب على صادرات الغاز على وجه التحديد، مع العلم بأن مصر ضمن أكبر ستة بلدان منتجة ومصدرة للغاز (حسب مصادر الحكومة الروسية). لذلك ينبغي إلغاء هذه الازدواجية في تصدير الغاز، والاكتفاء بالتعاقد المباشر مع الحكومة المصرية من خلال عقود جديدة، سنوية. تحدد الحكومة من خلال عمليات التعاقد البلاد التي تستحق أن نتعاقد معها، والكميات المصدرة على ضوء احتياجات السوق المحلي. كما تستعيد الدولة مبالغ العمولات التي كانت تستحوذ عليها الشركة (أو الشركات) الوسيطة. كما نسد بذلك أحد بنود تسريب الموارد الوطنية لصالح تحالف الفساد الذي لا يزال نشطا على أرض مصر.
بقيت نقطة أخيرة، خاصة بالتوقعات المرتبطة بإعادة فتح البورصة في ظل انهيار أسعار أسهم عدد من الشركات الرابحة مثل شركة أو أكثر من شركات الاتصالات، وبعض شركات الأسمنت. مثل هذه الشركات انهارت أسعار أسهمها بسبب عمليات البيع الكبيرة لتهريب الغنائم وليس لأسباب تتعلق بالأوضاع الاقتصادية لمثل هذه الشركات. القيم المنخفضة جدا لأسعار أسهم الشركات القوية يفتح المجال واسعا لعمليات استحواذ كبيرة، قد يترتب عليها سيطرة مستثمرين غير مصريين على أنشطة إستراتيجية في الاقتصاد المصري. والغريب في الأمر أن وزير المالية الهمام عضو لجنة السياسات كان مدركا لذلك عندما صرح بأن الثروات تصنع في أوقات الأزمات وضرب مثلا بتكوين جورج سوروس لثروته ( وهو أحد ملوك عمليات الاستحواذ). لم يضع وزير المالية الهمام عضو لجنة السياسات أي احتياط لحماية الاقتصاد المصري من عمليات استحواذ خطرة تؤثر بشدة على مستقبل عملية التنمية في مصر. فإذا كان وزير المالية الهمام عضو لجنة السياسات لم يتحوط لذلك فالمطلوب من مجلس إدارة البورصة الإسراع في حماية الاقتصاد من عمليات الاستحواذ الواسعة خاصة تلك العمليات التي يترتب عليها بناء أوضاع احتكارية لبعض الأنشطة.
مثل هذه الإجراءات المقترحة تمثل حلولا سريعة لمشكلات حالية متفجرة، لكنها لا تمثل أساسا لتصور للعلاج على المدى القصير أو المتوسط فهناك إجراءات من نوع آخر ضرورية لإعادة تنظيم سوق العمل، والميزانية العامة، والاستثمار، وتنظيم الصادرات، وحماية الثروة البترولية. وفوق كل ذلك وضع تصور واضح لعملية التنمية.
د. محمد نعمان نوفل
أستاذ م بجامعة المنوفية
مستشار بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية
دولة الكويت

السبت، 26 مارس 2011

قراءة في نتائج استفتاء التعديلات الدستورية

لا تتوقف نتيجة التعديلات الدستورية عند حدود النتيجة المعلنة بواسطة اللجنة القضائية، لكنها تتعدى ذلك إلى الخطوات التالية التي يستعد للقيام  بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة من إصدار مراسيم بقوانين من أهمهما قانوني تشكيل الأحزاب، وحظر التظاهر والتجمهر، وما صاحب ظهور مشاريع هذه التشريعات من مظاهر للتحالف مع حركة الأخوان المسلمين، والدور الغريب الذي يقوم به مجلس الوزراء في هذه التشريعات.
في البدء من المهم التساؤل حول جدوى إجراء عملية الاستفتاء من الأصل على المواد العشرة موضوع التعديل، رغم كل الانتقادات التي وجهت للاستفتاء عليها، وخطورة إقرار هذه التعديلات الذي كان يعني إعادة الحياة لدستور 71 سيء السمعة. وعلى الرغم من تصلب الطرف المؤيد لإجراء الاستفتاء كإجراء مكمل لعملية تعديل المواد، والفتوى بصورة غير منطقية بأن إقرارها لا يعني إحياء دستور 71، إلا أنهم انتهوا حيث اقترح معارضو التعديلات، وهو إصدار إعلان دستوري يحدد ملامح المرحلة الانتقالية، والتخلص نهائيا من دستور 71. لكن الحجة الملفقة التي سيقت لتبرير الاستفتاء تلخصت في أن الإعلان الدستوري سوف يتضمن المواد العشرة التي وافق عليها أغلبية المشاركين في الاستفتاء. وطبيعي أن نسأل، عن باقي مواد الإعلان الدستوري التي لم تطرح من الأصل للاستفتاء، هل ستكون مواد درجة ثانية، لا سمح الله، في الإعلان الدستوري؟ حسن وإذا كانت أغلبية المشاركين في التصويت، قد صوتت لصالح الرفض؟ كان البديل سيكون إصدار إعلان دستوري أيضا يتضمن المواد موضوع الاستفتاء، حتى وإن اختلفت صياغاتها بعض الشيء.
أما التبرير الأخير للاستفتاء بأن القوات المسلحة كانت بحاجة للتعرف على رأي الغالبية في التعديلات الدستورية حتى تضمنها في إعلان دستوري، فهذا يقع تحت عنوان " سيناريو ما بعد الأحداث" لأن هناك مواد أخرى لا نعرف شيئا عنها حتى الآن، وسوف تصدر ضمن الإعلان الدستوري المزمع إصداره خلال أيام أو ساعات، دون أن نعرف عن محتواه سوي المواد العشرة التي اختلف حولها عدد كبير من الفقهاء الدستوريين ولم يؤخذ برأي أحد منهم، ولم يدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة حوارا حولها بغرض مناقشة الآراء والاستماع لوجهات نظر أخرى.
ما يمكن استخلاصه من واقعة الاستفتاء، وما رافقها من تخبط، أنه لا توجد رؤية واضحة لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة المرحلة الانتقالية، والاعتماد على خبرات دستورية وقانونية بالغة التواضع في وضع تصورات نحو الخطوات المطلوب اتخاذها. ولا نقصد بالطبع اللجنة التي تشكلت برئاسة الأستاذ طارق البشري. لكننا نقصد ما سبق تشكيل اللجنة وما تلاه من إجراءات.
لقد كان مجموعة الضباط في عام 1952 أبعد نظرا، وأكثر حرصا على أداء مهامهم، فقد لجأوا لأكبر العقول القانونية في مصر في ذلك الوقت وهو الدكتور السنهوري، كما استعانوا بخبرات الأستاذ سليمان حافظ الذي شغل لفترة طويلة وظيفة مستشار مجلس الوزراء، وهو أصلا كان وكيلا لمجلس الدولة.
اختيارات المجلس الأعلى الحالية متواضعة، وعلى الرغم من وجود أسماء هامة في لجنة تعديل الدستور مثل الأستاذ طارق البشري، والدكتور عاطف البنا، إلا أن المشاركين الآخرين لا يمثلون أفضل العقول القانونية. بل والأغرب من ذلك أن المواد المقترحة للتعديل كانت هي نفس المواد الذي رشحها الرئيس المخلوع، وكأن مرجعية المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرجعية الرئيس السابق واحدة.
لا يمكن اتهام أساتذة القانون الدستوري في مصر بالبخل في إسداء النصح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا للجنة التي قامت بإعداد التعديلات. لقد قام هؤلاء الأساتذة بجهد حقيقي في توضيح الأمور وبالشرح المسهب والمعمق، وأبدوا استعدادهم للقيام بمهام محددة حتى تسير الأمور سيرا حسنا، لكن لا المجلس الأعلى استمع، ولا لجنة الإعداد استمعت، ولا المندفعين في تأييد التعديلات استمعوا، لقد صموا آذانهم. وعندما وجدوا أنفسهم في مواجهة مأزق إحياء دستور 71 تبنوا في صمت اقتراح إصدار إعلان دستوري في ظل تبريرات لا تقنع أحدا.
ينسجم مع عدم وضوح الرؤية مشاريع المراسيم المزمع إصدارها بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، فقد جاء تعديل قانون تشكيل الأحزاب متناقضا إلى حد كبير، فهو يقر مبدأ تشكيل الأحزاب بالإخطار، وفي نفس الوقت يضع عددا من القيود، تتمثل في وجود عبارات غامضة ومطاطة في القانون تحكم من خلالها لجنة الأحزاب في تشكيلها الجديد على حق الحزب في الوجود من عدمه. كما تضع شرطا صعبا وهو ضرورة توافر 1000 عضو مؤسس من 15 محافظة، غافلين بذلك عن أن الحزب الجديد يعكس فكرة، ومجموعة من المبادئ التي لم يلتف من حولها أنصار في مناطق مختلفة، وإلا أصبح على مؤسسي الحزب الجديد أن يسعوا للدعاية لبرنامجهم قبل التأسيس حتى يجمعوا أنصارا من 15 محافظة، ويقعون تحت طائلة القانون لأنهم يقومون بعمل حزبي من دون موافقة من لجنة الأحزاب.
أما مشروع المرسوم بقانون الذي مثل صدمة حقيقية للناس فكان قانون تجريم التظاهر والتجمهر، طبقا لقيود واهية ومطاطة من نوع الإضرار بمصالح الأفراد، وتهديد السلم العام. إنه انقلاب على كل ما نادت به الثورة من مبادئ الحرية، وعودة إلى منطق القمع والقهر في مواجهة الشعب.
تبرير محاولة إصدار هذا التشريع تنبني على ما يتصوره واضعي هذا المرسوم الفضيحة، من أضرار تسببها الإضرابات والتظاهرات الفئوية للاقتصاد الوطني. لكن واقع الحال يقول أن عجز المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن خلفه حكومة د. عصام شرف عن وضع تصور واضح لمعالجة هذه الحركات الاحتجاجية وحل المشكلات والمظالم التي يعاني منها هؤلاء المحتجين أو إعلان خطة واضحة ومحددة زمنيا لحل هذه المشكلات، هو الذي دفعهم إلى الطريق الأسهل والأخطر والأسوأ في آن واحد وهو طريق القمع.
ما علاقة هذه المواقف المعادية أو لنقل غير الودية مع حركة الثورة بنتائج الاستفتاء؟ إنها الأغلبية التي تجاوزت 77%، والإحساس بأنهم مؤيدين من جمهور عريض، فلا بأس من العين الحمراء.
إذا كانوا قد قرءوا نتائج الاستفتاء بهذه الطريقة فهم مخطئين إلى حد بعيد. وإذا كانوا يتصورون أن تعميق تحالفهم مع حركة الأخوان المسلمين سوف يحقق لهم تأييد واسع بين الجماهير، لذلك يعملون على استرضائهم من خلال تشديد شروط إعلان الأحزاب الجديدة، حتى يخفضوا عدد المنافسين لحركة الأخوان (لقد رحبت حركة الأخوان بمشروع مرسوم تعديل قانون الأحزاب وظهر جليا ابتهاجهم به) فهم أيضا مخطئون إلى حد كبير.
إن المعني الحقيقي لهذه ال " نعم" التي أدلي بها أكثر من 77% من المشاركين في الاستفتاء لا يمكن بأي حال إرجاعه لجهد حركة الإخوان المسلمون.
لقد صوت قسم كبير من المصريين بنعم لأنهم توهموا أن مجرد التصويت بها سوف يحقق الاستقرار في البلاد، وغفلوا عن أن آليات تحقيق الاستقرار مختلفة تماما عن ذلك، وأن تحقيق الاستقرار مرهون بتوافر رؤية واضحة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ولمجلس الوزراء لأولويات المرحلة الانتقالية، وطالما أن هذه الرؤية لا تزال غائبة فلن يتحقق الاستقرار. لكن ما حدث أن الغالبية من البسطاء تصورت أن التصويت على هذا النحو قد يحل المشكلة بالنسبة لها. وقد ضمت هذه الفئة بالأساس أصحاب المحلات التجارية الصغيرة المتضررة من تراجع حركة السوق، ومن العمال باليومية، ومن جمهور واسع من الحرفيين ومن الذين يتاجرون في لا شيء وكل شيء (فريق من الباعة الجائلين المسمين بالأرزقية) تصويت كل هؤلاء ليس نتاج أي دعاية سياسية أو دينية من الإخوان أو غيرهم.
كما صوت بنعم هذا الفريق الذي تأثر بدعاية الإخوان، والجماعات السلفية، تلك الدعاية التي استخدم فيها الكذب والتضليل وتنشيط النزعات الطائفية. وظني أنهم عدديا أقل بكثير من المجموعة السابقة.
ربما من صوتوا ب "لا" يقعون في الفئة الأكثر وعيا، لأنهم على الأقل سمعوا الحوارات واستوعبوها أو قرأوا ما كتب وحددوا موقفا. وإن كان قسماً منهم قد صوت استجابة لدعاية طائفية مضادة لدعاية الجماعات السلفية.
ما يهمنا هنا الفريق الأول الذي صوت بنعم لأنهم المجموعة التي تحركت بعفوية، ولم تبذل الكثير من الجهد في فهم ما يدور من حولها، فضلا عن أن الحوارات التي دارت حول التعديلات الدستورية جاءت في أغلبها حوارات صعبة ومتخصصة فلم توجه اهتمام كبير لغير المتخصصين، ومن لم ينالوا قسطا معقولا من التعليم، وهم بكل أسف غالبية المصريين.
الدرس المستفاد من ذلك يتمثل في ضرورة تحمل المثقفين ومن يعتبرون أنفسهم طليعة وطنية وثورية مسئولية الاهتمام بهذا الجمهور الواسع، ويوجهوا خطابهم إليه، يدعونه بلغته إلى مواقف حركة الثورة، ويهتموا جدا بتفسير الأفكار والهموم التي تشغلهم، حتى لا تستثمر حيرتهم ضد مصالحهم من القوى المعادية للثورة والقوى الأنانية الساعية لمصلحها الخاصة على حساب مستقبل الوطن.
من ناحية أخرى، لقد بدأت حركة الثورة المصرية ثورة 25 يناير كإطار عام ضم كل القوى النشطة على أرض مصر. وبعد أن حققت الثورة ضربة التحول الأولى هرولت أطراف مختلفة تبحث عن مصالحها الخاصة، وربما قبل تحقيق الضربة الأولى الحاسمة المتمثلة في اقتلاع مبارك عن سدة الحكم. من العبث تصور أن تظل القوى المختلفة على نفس المواقف، لكنه من الخطر أن ينفرد أحد الأطراف بعقد تحالفات ضارة بمجموع الحركة ومن أجل مصالح أنانية صرفه لا تضع في الحسبان مستقبل الوطن. مثل هؤلاء الذين يتحركون بأنانية وقصر نظر يستحقون العزل والطرد من تحالفات حركة الثورة. وجودهم يمثل خطر حقيقي وهم قادرين بهذا السلوك الانتهازي على إيقاع أبلغ الضرر بمقدرة الثورة على تحقيق أهدافها. لذلك لابد من إعادة النظر في تحالفات الجماعات والتنظيمات المشاركة في حركة الثورة وتحديد موقف واضح من حركة الأخوان المسلمين، والتأكيد على الدور المخرب الذي قامت به الجماعات السلفية، وفضح هذا الدور والتحذير منه من أجل المستقبل.

الخميس، 17 مارس 2011

نحو مؤتمر وطني لإنقاذ الثورة ومرحلة الانتقال

تمر الثورة المصرية بمنعطف خطر قد يهدد مسيرتها، ويختصرها إلى مجرد انتفاضة ضد رئيس فاسد وبطانته. وينحسر نجاحها في معاقبة الرئيس وبعض من معاونيه، وإضافة بعض مساحيق التجميل على وجه نظام قبيح ملئ بالبثور وتجاعيد الشيخوخة، تشي عضلات وجهه بما يعنيه من الشلل.
المشهد الحالي للثورة المصرية يتلخص في التالي:
·        مؤامرات فلول النظام واستعادتهم لزمام المبادرة إلى حد ما، ويبدو ذلك في ما يظهر للعيان من حادث الفتنة الطائفية في قرية صول، ونجاح عناصر أمن الدولة في تدمير القسم الأكبر من وثائق الجهاز، والاستنفار الحاد والدموي في مواجهة شباب المتظاهرين الذي فكروا في دخول مقار الأمن المركزي، والاستعداد لارتكاب مجزرة بحقهم. تجمع بقايا الحزب الوطني وعقد بعض الاجتماعات التنظيمية لترتيب الأوراق ومحاولة التماشي جزئيا مع الواقع الجديد.
·        استمرار المجلس العسكري في تنفيذ خطته القاضية بصياغة نظام للحكم لا يختلف كثيرا عن سابقه خلال ستة أشهر، والزج بالبلاد في استفتاء على التعديلات الدستورية في ظل النقص الواضح للتواجد الأمني والاعتراضات الواسعة والقيمة على التعديلات من ناحية المبدأ، وكأن هذه الآراء لا تعنيهم في شيء. الجدير بالملاحظة أن إجراء استفتاء في هذه الظروف غير المستقرة لا يبشر بنتائج نزيهة للاستفتاء.
وفي نفس الوقت يستعين الجيش بالبلطجية في فض المعتصمين بميدان التحرير ويقدم عدد منهم للمحاكمة العسكرية بعد عمليات ضرب وتعذيب لعدد يزيد عن 200 شخص، في ظل عجز وسائل الإعلام عن نشر الخبر ومعالجته إعلاميا. والمدهش أن الشباب وهم يضربون ويسحلون على أرض الميدان كانوا يهتفون " الجيش والشعب أيد واحدة" في مشهد مفارق يعكس مستوى مسئولية الشعب ومستوى مسئولية الجيش عن وحدة الوطن.
·        تشكيل حكومة برئاسة رجل جاء من صفوف المتظاهرين بما يعد مكسبا حقيقيا للثورة، لكن يفرض عليه في التشكيل وزير مالية من لجنة السياسات، ووزير إنتاج حربي متورط في تزوير الانتخابات، ووزيري تربية وتعليم وتعليم عالي من أعضاء الحزب الوطني. يقوم مجلس الوزراء بعمله في ظل الصلاحيات غير المحدودة لرئيس الجمهورية في الدستور التي انتقلت إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لذلك يردد دوما رئيس الوزراء عبارة الاستئذان في كذا وفي كذا، فهو إذن لا يملك صلاحيات حقيقية لرئيس مجلس وزراء.
·        غزل واضح بين المجلس العسكري وبين حركة الإخوان المسلمين، بل والحركة الإسلامية بصفة عامة. لا نعرف مآرب هذا الغزل، هل هو تمهيد لزواج سعيد أو محاولة لشق الصفوف، أو حشر الثورة في صراع عقائدي قد يهدد وحدة الوطن؟
·        حالة نقاش وطني نشطة بين كافة القوى السياسية، وأبناء الشعب من غير المنتمين لأي اتجاه سياسي حول المستقبل القريب للثورة. هذا الجدل يعكس استمرار اتقاد الروح الثورية وهي الأمل الباقي.
ملامح هذا المشهد يمكن تلخيصها في عبارة واحدة " ميلاد مهدد بقتل الجنين". فقوى الشر مترصدة ومتحفزة ولا توجد خطة واضحة لتأمين البلاد في مواجهتهم. جر البلاد على سطور أجندة غامضة، وغير واضحة المبررات اللهم هذه المبررات الساذجة التي يسوقها أعضاء المجلس العسكري من حين لآخر، تسندها مبررات من يجيدون مسك العصا من الوسط. تخبط واضح وعجز لمجلس الوزراء عن قيادة البلاد في مسار محدد يتحمل مسئوليته. في نفس الوقت استمرار تفاقم المشكلات المعيشية، وعدم وجود شواهد واضحة على اقتراب البلاد من حالة استقرار. صحيح نحن لا نبحث الآن عن ملامح للنظام الجديد، ولكن من المهم تطهير المؤسسات من فلول النظام، وإحلال السيطرة بالطرق الديمقراطية للشعب على المؤسسات العامة، حتى ولو في خطوات انتقالية، ففي ذلك تكمن الحماية الحقيقية للوطن في هذه الظروف.
في مواجهة هذا الوضع الملتبس، ندعو لمؤتمر وطني عام يضم كافة القوى السياسية وكافة الناشطين، ومن يستطيع المشاركة في تحمل أعباء مرحلة التغيير في مصر من أجل وضع خريطة عمل توصل لتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي. لا تقتصر هذه الخريطة على المسار السياسي فقط، لكنها تشمل المسار الاقتصادي العاجل أيضا الذي يتمثل في تعزيز موارد الخزانة العامة وضبط ثغرات استنزاف الثروة الوطنية، وتحقيق تحسين لمستويات المعيشة، ومعالجة المطالب الفئوية بوضع جدول زمني لحلها جميعا، فالقاسم المشترك بينها هو تدني مستويات الأجور وعدم الاستقرار الوظيفي. كما توضع خطة واضحة المعالم لتأمين البلاد في مواجهة فلول النظام الساقط.
خريطة العمل الناتجة عن هذا المؤتمر يلزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإتباعها، ويسهر الشعب على متابعة تنفيذها.

الجمعة، 4 مارس 2011

المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتفريغ قوة الدفع للثورة

سوف تؤدي الإجراءات التي يقو م بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المجلس العسكري)، وخطة العمل التي وضعها لنفسه خلال الأشهر الستة التي ينوى قيادة البلاد فيها إلى تفريغ الثورة المصرية من قوة الدفع والانتهاء بها إلى حالة من الإحباط الوطني العام. سواء فعل المجلس العسكري ما يفعله بحسن نية أو بسوء نية وعن قصد مخطط فالنتيجة واحدة.
تتعدد مطالب ثورة 25 يناير، لكن من بين هذه المطالب هناك عدد من المطالب الفورية التي تضمن تأمين الثورة والمحافظة على الوثائق الوطنية ووثائق إدانة أذناب عهد الفساد والعار، وتؤكد على التزام القوات المسلحة المسار الصحيح للثورة والمحافظة على قوة دفعها. تتلخص هذه المطالب الفورية للثورة فيما يلي:
·        حل جهاز مباحث أمن الدولة والتحفظ على جميع قياداته
·        التحفظ على السادة عمر سليمان وذكريا عزمي وصفوت الشريف ود. فتحي سرور، وأمانة لجنة السياسات للحزب الوطني.
·        التحفظ على الرئيس السابق مبارك وجميع أفراد أسرته وأنسباؤه
·        حل الحزب الوطني والتحفظ على قياداته على المستوى المركزي ومستويات المحافظات
·        إلغاء قانون الطوارئ
·        الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين قبل وبعد 25 يناير
·        تعيين مجلس رئاسة (هناك عدد من المقترحات الرصينة لتشكيل المجلس الرئاسي)
هذه المطالب الفورية تنفذ معا دفعة واحدة، وترجع أهميتها للجوانب التالية:
1.     حل جهاز مباحث أمن الدولة يمثل ضرورة لوقف نزيف الترويع وعمليات الاعتقال والاختطاف التي تتم للناشطين السياسيين، ووضع نهاية لعمل هذا الجهاز الإجرامي التكوين والممارسة. إن أي تصور لإصلاح هذا الجهاز في ظل تركيبته الحالية هو ضرب من الهذيان. ومن يدافع عن استمرار الجهاز بشرط عودته للدور المنوط به، يعد نوع آخر من الهذيان لأن الجهاز تحول إلى ورم سرطاني في جسد مصر، وتفرعت عنه مافيات خطرة، وسجون خاصة لا يعلم أحد عنهاشيئاً. لذلك لابد من حل الجهاز والتحفظ على قياداته العليا والوسطى، ودعوة جميع المنتسبين له لتسليم أنفسهم لأقرب نقطة شرطة عسكرية للإدلاء بأماكن إقامتهم، وأيه معلومات لديهم تفيد في الوصول لأماكن الاعتقال خارج السجون حتى يمكن الوصول للمختطفين والمفقودين الذين يعيشون حاليا في ظروف بالغة الخطورة. قد يقوم هؤلاء المتوحشون بقتلهم وإخفاء جثثهم. قد يتصور حسني النية أن هذه مبالغة، لكن عليه أن يبرر لنا لماذا الاختطاف والإخفاء خارج السجون؟
كما أظهرت الشواهد أن أفراد هذا الجهاز الشيطاني يقومون بأعمال الفتن، وتأليب بعض الفئات لتشتيت حركة الثورة وقلقلة الاستقرار، ولا يستبعد على الإطلاق مسئوليتهم عن قتل راهب أسيوط. ألم يظهر تورط العادلي في تفجير كنيسة القديسين؟
يضاف إلى ذلك التحفظ على الرئيس وأسرته وذكريا عزمي وعمر سليمان وصفوت الشريف، ود. فتحي سرور وأعضاء أمانة لجنة السياسات، فمن المهم تأمين البلاد من خطر هؤلاء، فوجودهم طلقاء يمثل دعما لفلول الحزب الوطني، فضلا عن الدور التآمري الذي يقومون به ضد الثورة. ولنفس المنطق يجب حل الحزب والتحفظ على قيادات الحزب مركزيا وعلى مستوى المحافظات.
2.     إلغاء قانون الطوارئ ضرورة لإقرار دولة القانون، والابتعاد عن الإجراءات الاستثنائية، وتقديم ضمانه لاحترام حقوق الإنسان وإزالة وصمة هذه السنوات المظلمة عن حياة المصريين. كما أن الاستمرار في احتجاز المعتقلين في السجون هو استمرار غير مبرر لمنطق العقاب الغاشم لمعارضي النظام البائد في ظل ثورة شعب، أزاحت رأس هذا النظام الفاسد. وليس هناك من معني للاستمرار في حبس المعتقلين إلا مشاركة النظام البائد في منطق اعتقالهم.
عدم تحقيق هذه المطالب الفورية يعني السعي المتعمد لانتكاس الثورة، وإشعار المشاركين فيها باللاجدوى. ونفس الأمر في إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الانفراد بالرأي وعدم احترام مطالب الثوار.
لكن الجماهير المصرة على الاستمرار لن تنتكس ولن تحبط، وستواصل الانتفاض ضد ما يحاك لها.
الإعلان الدستوري وبرنامج عمل المجلس العسكري:
 إذا كان المجلس العسكري لا يتجاوب مع مطالب الثورة على الرغم من إقراره منذ البيان الثاني بمشروعيتها. ومن ناحية أخرى يتحداها بشأن إقالة حكومة أحمد شفيق ( ونحن نحذر من استنزاف الثورة بهذا المطلب) فإن المجلس العسكري قد وضع لنفسه برنامج عمل مدته 6 أشهر باسم الإعلان الدستوري. يبدأ هذا البرنامج بإدخال تعديلات على بعض مواد الدستور، وينتهي بانتخاب مجلسي شعب وشوري ورئيسا للجمهورية له نفس الصلاحيات الإمبراطورية للرئيس في الدستور الحالي.
هذه الخطة سوف تنتهي بلا شك إلى لف الحبل على عنق الثورة وخنقها. فإذا كان أعضاء المجلس العسكري يعون ما يفعلون فإنها كارثة وإن كانوا ينفذون مشورة مستشاري السوء دون وعي منهم فهي كارثة اشد وأفدح. وإليك أسبابنا:
1.     التعديلات الدستورية التي طلبها المجلس العسكري تعكس وضعا متناقضا، لأن نقل السلطة من رئيس الجمهورية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعني بوضوح سقوط الدستور، كما أن الثورة حال اندلاعها والإصرار على إسقاط النظام وإسقاط الرئيس كان يعني إسقاط الدستور. والغريب في الأمر أن المجلس العسكري يعلن نفسه حاكما للبلاد (تمثيل مصر داخليا وخارجيا- كما ورد في البيان) وفي نفس الوقت يحرص على الدستور رغم أن المجلس نفسه قد أسقط الدستور بإعلان نفسه حاكما. من ناحية أخرى لا تتناول التعديلات الاختصاصات الإمبراطورية للرئيس، وفي حال انتخاب رئيس جديد سوف يتمتع مباشرة بهذه الاختصاصات التي تؤسس لحكم ديكتاتوري، فيلزم القيام بثورة أخرى للإطاحة به. لقد قدمت الثورة برنامجا مختلفا أكثر أمنا ومنطقية ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير ظهره ويتجه وجهة متناقضة، تحمل في طياتها عدم اعتراف عملي بالثورة.
2.     المهمة التالية للمجلس العسكري بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ستكون الدعوة لانتخابات كل من مجلسي الشعب والشورى. سوف يكون الاقتراع ببطاقة الرقم القومي وهذه خطوة محمودة. لكن المجلس العسكري لا يسمح بوجود أحزاب ويحتكم في هذا للقيود التي يضعها قانون الأحزاب (سيء السمعة) فلن يسمح بنشأة أحزاب خلال فترة الأربعة أشهر اللازمة للإعداد للانتخابات التشريعية. وهنا تشأ علامة استفهام بضخامة ميدان التحرير. كيف لهم الاستناد لقانون الأحزاب، ولماذا لا يصدرون مرسوما بقانون أحزاب جديد يسمح بنشأة الأحزاب بالإخطار لجهة قضائية معينة؟ نخلص من ذلك إلى أمرين، هما:
·        أن تظل القوي السياسية التي فجرت الثورة مشتتة سياسيا، بعيدة عن أي شكل لتنظيم حركتها حتى لا تحدث التأثير المطلوب في المجتمع لضمان نجاح الثورة.
·        أن يظل المجتمع المصري أسير مجموعة من الأحزاب الورقية وأحزاب بئر السلم والحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين، فيفقد المجتمع الثقة في السياسة وفي النضال.
يضاف إلى ذلك التلكؤفي إصدار أي قرارات خاصة بحرية الإعلام، وإعادة تنظيم المؤسسات الصحفية، وحسم وضع أشكال الرقابة المختلفة على وسائل الإعلام (خاصة أن جهاز مباحث أمن الدولة لا يزال قائما ونشطا).
في ظل هذه التركيبة السياسية الخائبة تجرى الانتخابات التشريعية، فتكون الحصيلة من أعضاء بحكم صلاتهم العائلية، وما يقدمون من خدمات ومجاملات للمواطنين، وأعضاء متلونون من الحزب الوطني، وقسم لا بأس به من الإخوان المسلمون ومن رحم ربي من قيادات الثورة الذي يستطيع الإفلات إلى مجلس الشعب أو الشوري (ولا ينبغي إغفال حقيقة تشتيت الجهود بين انتخابات لمجلسين تشريعيين خلال أربعة أشهر فقط). هذين المجلسين عليهما وضع مصر على طريق الديمقراطية والتنمية.
هذه في واقع الحال وصفة مضمونة لخراب مصر وخنق الثورة.
3.     انتخاب رئيس للجمهورية في نهاية الأشهر الستة، الذي عليه قيادة البلاد نحو المستقبل، وفي ظل نفس الواقع السياسي الذي تمت فيه انتخابات مجلسي الشعب والشورى، فلا يمكن أن يكون الرئيس سوى رئيسا سابق التجهيز منذ اليوم واعتقد انه سيكون عمرو موسي لتحقيق ضمانين، هما:
·        أن يكون الرئيس من رحم النظام البائد، وأحد رجاله ومحل ثقة رؤوس هذا النظام.
·        أن يضمن وجوده استمرار منهج كامب ديفيد حتى لا تغضب الولايات المتحدة ولا إسرائيل.
نخلص من ذلك إلى أننا أمام خطة قد تكون مدروسة وجهنمية للقضاء على الثورة، وقد تكون نتاج عسكر بلا خبرة سياسية حقيقية، ولا يزالون أسرى الأطر البيروقراطية وليس لديهم وعي كاف بما يدور في بلادهم. لا نستطيع اتهامهم بالتآمر على الثورة وإلا ما أيدوها منذ بيانهم الثاني، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نجزم بأنهم يقفون في نفس المعسكر مع الثورة، وإلا كانوا احتضنوا مطالبها ونفذوها بأمانة وصدق.
إن ما نتصوره، مهما كانت التفسيرات، لابد من إسقاط هذا البرنامج الخطر الضار ببلادنا، بمواصلة التظاهر ضد هذه الأفكار والمشاريع والدفاع عن جميع المطالب الفورية دفعة واحدة. كما أن الدعوة الملحة الآن ولكل المصريين فهي مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لأن برنامج الثورة ينبغي أن يتقدم وليست الخطوات الملتبسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

دعونا نقلب السحر على الساحر

تفجرت المطالب الفئوية في العديد من المصانع والشركات والبنوك والمصالح الحكومية. الأساس الذي تفجرت منه هذه المطالب أساس عادل، لأن الناس تعاني في مصر وهذه حقيقة نعلمها جميعا. لكن التسول أمام كاميرات الفضائيات والهتاف بلا طائل لرفع الأجور والتثبيت، وصرف البدلات، أمر غير منطقي، ولا معني له. ومن المعروف أن عدد كبير من هذه المظاهرات الفئوية تمت بمعرفة أعضاء من مباحث أمن الدولة وفلول الحزب الوطني لخلق حالة من عدم الاستقرار وتشتيت الحركة السياسية للثورة. ورغم ذلك لا يمكن تجاهل مشروعية مطالب هؤلاء المواطنين أو التعالي عليها، أو اتهامها لأن محرضيهم من ذوي القصد السيئ. أري أن نضع هؤلاء المطالبين بالمطالب الفئوية على الطريق الصحيح، لأن من حقهم أن يحققوا مطالبهم الإنسانية تماما وأن لا يصبحوا ألعوبة في يد من يزايد على الثورة أو يهدف لتشتيت جهودها. على هؤلاء الموظفين والعمال أن يؤسسوا نقاباتهم المستقلة، واتحاداتهم المستقلة، حتى تكون لديهم المؤسسات الخاصة بهم النابعة منهم لتتفاوض باسمهم مع أي حكومة وطنية قادرة على حل المشكلات. وعليهم أن ينضموا لحركة الثورة لأنها الضمان الوحيد لتوفير حياة لائقة لكل المصريين.

تأمين مصر

لابد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة من القيام بخطة متكاملة لتأمين مصر، هذه المهمة غير منجزة بسبب حالة السيولة التي يمارس بها المجلس الأعلى علاقته مع النظام البائد.
كان من المفروض منذ اليوم الأول أن يتحفظ على جميع قيادات الحزب الوطني، والقيادات الحكومية ذات النفوذ في الأجهزة المالية والأمنية. وأن يوضع كل رؤوس النظام مثل مبارك وأولاده وزكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور وأعضاء لجنة السياسات، ورجال الأعمال ذوي الصلة الوثيقة بنظام الحكم رهن التحفظ. لقد استخدم أحد أعضاء المجلس العسكري عبارة عاطفية، وقال أنه لن يفرغ معتقلات كي يملأ معتقلات. هذا لغو فارغ. لقد نجح زكريا عزمي في فرم أعداد هائلة من الوثائق، ولا يزال مافيات مباحث أمن الدولة تعيث في البلاد فسادا، وتدمر الوثائق لإخفاء أدلة الإدانة ضدهم كما فعلوا في مقرهم بالأسكندرية مساء الجمعة 4 مارس، ولا يزالوا يواصلون عملهم في تدمير الوثائق لإخفاء جرائمهم. وقيادات الحزب الوطني في الأقاليم بنفس قوتها وسطوتها. واليوم يتجهون لإشعال الفتنة الطائفية، لولا يقظة جمهور المسلمين والأقباط. فحادث مقتل قمص أسيوط في منزله ليس بعيدا عنهم.
إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة حريصا على القيام بدوره وتحمل مسئوليته في قيادة البلاد، فعليه أن يتحرك، وأمام عينيه رؤى الثورة التي ترسم له خارطة طريق لما يمكن أن يفعله لتأمين مصر وعودة الاستقرار، وإليك خطة عاجلة لذلك:
1.     حل جهاز مباحث أمن الدولة، لأن حل الجهاز الحالي ضرورة من أجل بناء جهاز جديد، ووضع كاة مقاره تحت سيطرة القوات المسلحة. والتحفظ على كافة قياداته العليا والوسطي، والطلب من كافة المنتسبين للجهاز والمتعاونين معه تسليم أنفسهم للقوات المسلحة لتسجيل بياناتهم الشخصية والالتزام بأن يكونوا رهن الطلب في حالة استدعاء أحد منهم. كما يطلب منهم لإدلاء بأي معلومات عن أماكن الاحتجاز السرية حتى يمكن الوصول إلى المختطين والمفقودين.
2.     الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، وتسجيل شهاداتهم فورا عن كل ما تم معهم، وتقديم أي معلومات متوفرة لديهم عن جلاديهم في السجون وفي مباحث أمن الدولة.
3.     وضع كافة مقار الحزب الوطني تحت سيطرة القوات المسلحة والتحفظ عليها، وعلي جميع القيادات على مستوى الجمهورية وقيادات المحافظات، وأعضاء لجنة السياسات على المستوى المركزي ومستوى المحافظات.
4.     إلقاء القبض على جميع المشتبه في تورطهم في أعمال الترويع من أعضاء الحزب الوطني ورجال الأعمال المتصلين به. ونحن متأكدون من توار معلومات حول ذلك ظهرت من خلال التحقيقات التي تمت مع البلطجية وأصحاب السوابق الذين قبضت عليهم وحاكمتهم القوات المسلحة.
5.     التحديد السريع للمسئولية إزاء إطلاق النار على المتظاهرين وأعمال القنص ويمكن القيام بذلك بسهولة، وأظن أنه تم، بتحديد الضباط المسئولين عن المواقع التي تم يها إطلاق النار على المتظاهرين، وكذلك المناطق التي نشط يها القناصة، وتقديمهم للتحقيق والإعلان عن ذلك.
6.     عزل جميع المحافظين، وحل المجالس المحلية بكافة مستوياتها، وتكليف سكرتير عام المحاظة بمهام المحافظ تحت إشراف رئيس محكمة الاستئناف بالمحافظة، مع إلزام كل محافظة ببناء موقع على الإنترنت لمتابعة موقفها المالي بالتفصيل، حتى يتقرر موعد لانتخابات المجالس المحلية وانتخاب المحافظين.
هذه الإجراءات لا تحتاج لوقت كبير. كما أنها ليست عبقرية خاصة، إنها تجارب متكررة ي أغلب البلدان التي مرت بظروف تغيير لنظمها الحاكمة سواء نتيجة لثورة كحالة مصر، أو نتيجة إنقلاب عسكري. وأقرب التجارب الزمنية لنا ما حدث في أوربا الشرقية، فعلي الرغم من علامات الاستفهام التي وضعت بشأن ثوراتهم إلا أن تكتيك التأمين والقطيعة مع النظم القديمة لم تخرج عن هذه الأمور.
الاستمرار في حالة السيولة الحالية مهدد بمنتهى الخطورة، ويكفى أن آلاف الوثائق قد أعدم، وفقدت سلطات العدالة في مصر الكثير من أدلة الاتهام، بل فقد المجتمع وثائق هامة لهذه المرحلة السوداء من تاريخ مصر.