سوف تؤدي الإجراءات التي يقو م بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المجلس العسكري)، وخطة العمل التي وضعها لنفسه خلال الأشهر الستة التي ينوى قيادة البلاد فيها إلى تفريغ الثورة المصرية من قوة الدفع والانتهاء بها إلى حالة من الإحباط الوطني العام. سواء فعل المجلس العسكري ما يفعله بحسن نية أو بسوء نية وعن قصد مخطط فالنتيجة واحدة.
تتعدد مطالب ثورة 25 يناير، لكن من بين هذه المطالب هناك عدد من المطالب الفورية التي تضمن تأمين الثورة والمحافظة على الوثائق الوطنية ووثائق إدانة أذناب عهد الفساد والعار، وتؤكد على التزام القوات المسلحة المسار الصحيح للثورة والمحافظة على قوة دفعها. تتلخص هذه المطالب الفورية للثورة فيما يلي:
· حل جهاز مباحث أمن الدولة والتحفظ على جميع قياداته
· التحفظ على السادة عمر سليمان وذكريا عزمي وصفوت الشريف ود. فتحي سرور، وأمانة لجنة السياسات للحزب الوطني.
· التحفظ على الرئيس السابق مبارك وجميع أفراد أسرته وأنسباؤه
· حل الحزب الوطني والتحفظ على قياداته على المستوى المركزي ومستويات المحافظات
· إلغاء قانون الطوارئ
· الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين قبل وبعد 25 يناير
· تعيين مجلس رئاسة (هناك عدد من المقترحات الرصينة لتشكيل المجلس الرئاسي)
هذه المطالب الفورية تنفذ معا دفعة واحدة، وترجع أهميتها للجوانب التالية:
1. حل جهاز مباحث أمن الدولة يمثل ضرورة لوقف نزيف الترويع وعمليات الاعتقال والاختطاف التي تتم للناشطين السياسيين، ووضع نهاية لعمل هذا الجهاز الإجرامي التكوين والممارسة. إن أي تصور لإصلاح هذا الجهاز في ظل تركيبته الحالية هو ضرب من الهذيان. ومن يدافع عن استمرار الجهاز بشرط عودته للدور المنوط به، يعد نوع آخر من الهذيان لأن الجهاز تحول إلى ورم سرطاني في جسد مصر، وتفرعت عنه مافيات خطرة، وسجون خاصة لا يعلم أحد عنهاشيئاً. لذلك لابد من حل الجهاز والتحفظ على قياداته العليا والوسطى، ودعوة جميع المنتسبين له لتسليم أنفسهم لأقرب نقطة شرطة عسكرية للإدلاء بأماكن إقامتهم، وأيه معلومات لديهم تفيد في الوصول لأماكن الاعتقال خارج السجون حتى يمكن الوصول للمختطفين والمفقودين الذين يعيشون حاليا في ظروف بالغة الخطورة. قد يقوم هؤلاء المتوحشون بقتلهم وإخفاء جثثهم. قد يتصور حسني النية أن هذه مبالغة، لكن عليه أن يبرر لنا لماذا الاختطاف والإخفاء خارج السجون؟
كما أظهرت الشواهد أن أفراد هذا الجهاز الشيطاني يقومون بأعمال الفتن، وتأليب بعض الفئات لتشتيت حركة الثورة وقلقلة الاستقرار، ولا يستبعد على الإطلاق مسئوليتهم عن قتل راهب أسيوط. ألم يظهر تورط العادلي في تفجير كنيسة القديسين؟
يضاف إلى ذلك التحفظ على الرئيس وأسرته وذكريا عزمي وعمر سليمان وصفوت الشريف، ود. فتحي سرور وأعضاء أمانة لجنة السياسات، فمن المهم تأمين البلاد من خطر هؤلاء، فوجودهم طلقاء يمثل دعما لفلول الحزب الوطني، فضلا عن الدور التآمري الذي يقومون به ضد الثورة. ولنفس المنطق يجب حل الحزب والتحفظ على قيادات الحزب مركزيا وعلى مستوى المحافظات.
2. إلغاء قانون الطوارئ ضرورة لإقرار دولة القانون، والابتعاد عن الإجراءات الاستثنائية، وتقديم ضمانه لاحترام حقوق الإنسان وإزالة وصمة هذه السنوات المظلمة عن حياة المصريين. كما أن الاستمرار في احتجاز المعتقلين في السجون هو استمرار غير مبرر لمنطق العقاب الغاشم لمعارضي النظام البائد في ظل ثورة شعب، أزاحت رأس هذا النظام الفاسد. وليس هناك من معني للاستمرار في حبس المعتقلين إلا مشاركة النظام البائد في منطق اعتقالهم.
عدم تحقيق هذه المطالب الفورية يعني السعي المتعمد لانتكاس الثورة، وإشعار المشاركين فيها باللاجدوى. ونفس الأمر في إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الانفراد بالرأي وعدم احترام مطالب الثوار.
لكن الجماهير المصرة على الاستمرار لن تنتكس ولن تحبط، وستواصل الانتفاض ضد ما يحاك لها.
الإعلان الدستوري وبرنامج عمل المجلس العسكري:
إذا كان المجلس العسكري لا يتجاوب مع مطالب الثورة على الرغم من إقراره منذ البيان الثاني بمشروعيتها. ومن ناحية أخرى يتحداها بشأن إقالة حكومة أحمد شفيق ( ونحن نحذر من استنزاف الثورة بهذا المطلب) فإن المجلس العسكري قد وضع لنفسه برنامج عمل مدته 6 أشهر باسم الإعلان الدستوري. يبدأ هذا البرنامج بإدخال تعديلات على بعض مواد الدستور، وينتهي بانتخاب مجلسي شعب وشوري ورئيسا للجمهورية له نفس الصلاحيات الإمبراطورية للرئيس في الدستور الحالي.
هذه الخطة سوف تنتهي بلا شك إلى لف الحبل على عنق الثورة وخنقها. فإذا كان أعضاء المجلس العسكري يعون ما يفعلون فإنها كارثة وإن كانوا ينفذون مشورة مستشاري السوء دون وعي منهم فهي كارثة اشد وأفدح. وإليك أسبابنا:
1. التعديلات الدستورية التي طلبها المجلس العسكري تعكس وضعا متناقضا، لأن نقل السلطة من رئيس الجمهورية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعني بوضوح سقوط الدستور، كما أن الثورة حال اندلاعها والإصرار على إسقاط النظام وإسقاط الرئيس كان يعني إسقاط الدستور. والغريب في الأمر أن المجلس العسكري يعلن نفسه حاكما للبلاد (تمثيل مصر داخليا وخارجيا- كما ورد في البيان) وفي نفس الوقت يحرص على الدستور رغم أن المجلس نفسه قد أسقط الدستور بإعلان نفسه حاكما. من ناحية أخرى لا تتناول التعديلات الاختصاصات الإمبراطورية للرئيس، وفي حال انتخاب رئيس جديد سوف يتمتع مباشرة بهذه الاختصاصات التي تؤسس لحكم ديكتاتوري، فيلزم القيام بثورة أخرى للإطاحة به. لقد قدمت الثورة برنامجا مختلفا أكثر أمنا ومنطقية ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير ظهره ويتجه وجهة متناقضة، تحمل في طياتها عدم اعتراف عملي بالثورة.
2. المهمة التالية للمجلس العسكري بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ستكون الدعوة لانتخابات كل من مجلسي الشعب والشورى. سوف يكون الاقتراع ببطاقة الرقم القومي وهذه خطوة محمودة. لكن المجلس العسكري لا يسمح بوجود أحزاب ويحتكم في هذا للقيود التي يضعها قانون الأحزاب (سيء السمعة) فلن يسمح بنشأة أحزاب خلال فترة الأربعة أشهر اللازمة للإعداد للانتخابات التشريعية. وهنا تشأ علامة استفهام بضخامة ميدان التحرير. كيف لهم الاستناد لقانون الأحزاب، ولماذا لا يصدرون مرسوما بقانون أحزاب جديد يسمح بنشأة الأحزاب بالإخطار لجهة قضائية معينة؟ نخلص من ذلك إلى أمرين، هما:
· أن تظل القوي السياسية التي فجرت الثورة مشتتة سياسيا، بعيدة عن أي شكل لتنظيم حركتها حتى لا تحدث التأثير المطلوب في المجتمع لضمان نجاح الثورة.
· أن يظل المجتمع المصري أسير مجموعة من الأحزاب الورقية وأحزاب بئر السلم والحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين، فيفقد المجتمع الثقة في السياسة وفي النضال.
يضاف إلى ذلك التلكؤفي إصدار أي قرارات خاصة بحرية الإعلام، وإعادة تنظيم المؤسسات الصحفية، وحسم وضع أشكال الرقابة المختلفة على وسائل الإعلام (خاصة أن جهاز مباحث أمن الدولة لا يزال قائما ونشطا).
في ظل هذه التركيبة السياسية الخائبة تجرى الانتخابات التشريعية، فتكون الحصيلة من أعضاء بحكم صلاتهم العائلية، وما يقدمون من خدمات ومجاملات للمواطنين، وأعضاء متلونون من الحزب الوطني، وقسم لا بأس به من الإخوان المسلمون ومن رحم ربي من قيادات الثورة الذي يستطيع الإفلات إلى مجلس الشعب أو الشوري (ولا ينبغي إغفال حقيقة تشتيت الجهود بين انتخابات لمجلسين تشريعيين خلال أربعة أشهر فقط). هذين المجلسين عليهما وضع مصر على طريق الديمقراطية والتنمية.
هذه في واقع الحال وصفة مضمونة لخراب مصر وخنق الثورة.
3. انتخاب رئيس للجمهورية في نهاية الأشهر الستة، الذي عليه قيادة البلاد نحو المستقبل، وفي ظل نفس الواقع السياسي الذي تمت فيه انتخابات مجلسي الشعب والشورى، فلا يمكن أن يكون الرئيس سوى رئيسا سابق التجهيز منذ اليوم واعتقد انه سيكون عمرو موسي لتحقيق ضمانين، هما:
· أن يكون الرئيس من رحم النظام البائد، وأحد رجاله ومحل ثقة رؤوس هذا النظام.
· أن يضمن وجوده استمرار منهج كامب ديفيد حتى لا تغضب الولايات المتحدة ولا إسرائيل.
نخلص من ذلك إلى أننا أمام خطة قد تكون مدروسة وجهنمية للقضاء على الثورة، وقد تكون نتاج عسكر بلا خبرة سياسية حقيقية، ولا يزالون أسرى الأطر البيروقراطية وليس لديهم وعي كاف بما يدور في بلادهم. لا نستطيع اتهامهم بالتآمر على الثورة وإلا ما أيدوها منذ بيانهم الثاني، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نجزم بأنهم يقفون في نفس المعسكر مع الثورة، وإلا كانوا احتضنوا مطالبها ونفذوها بأمانة وصدق.
إن ما نتصوره، مهما كانت التفسيرات، لابد من إسقاط هذا البرنامج الخطر الضار ببلادنا، بمواصلة التظاهر ضد هذه الأفكار والمشاريع والدفاع عن جميع المطالب الفورية دفعة واحدة. كما أن الدعوة الملحة الآن ولكل المصريين فهي مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لأن برنامج الثورة ينبغي أن يتقدم وليست الخطوات الملتبسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
مقال رائع
ردحذفتحياتي
مصري مغترب